خضعت كما هو معلوم حكومة علي العريض المستقيلة حديثا إلى رغبة الشارع التونسي الذي نزل بكل ثقله في الأيام الأخيرة معبرا عن رفضه التام والقطعي للإتاوات الجديدة الواردة بقانون المالية لسنة2014 من خلال
…
خضعت كما هو معلوم حكومة علي العريض المستقيلة حديثا إلى رغبة الشارع التونسي
الذي نزل بكل ثقله في الأيام الأخيرة معبرا عن رفضه التام والقطعي للإتاوات الجديدة
الواردة بقانون المالية لسنة2014 من خلال
إعلان العريض يوم الخميس 09 جانفي 2014 قرار تعليق العمل بالمعاليم التي تم توظيفها
في قانون المالية لسنة 2014 على وسائل النقل الخاصة ووسائل نقل الأشخاص وعلى
السيارات الفلاحية بالنسبة لهذه الفترة في انتظار تسويتها من الناحية القانونية من
خلال تقديم تنقيح للسلطة التشريعية.
وعلل العريض في ندوة صحفية قراره أنه بعد التشاور مع عدد من الوزراء خلال اجتماع
المجلس الأعلى للمن المنعقد يوم أمس ولكي لا يتم إعطاء الفرصة للإرهاب الذي يحاول
استغلال الوضع العام الهش وتزايد الاحتجاجات وحالات الاحتقان الاجتماعي في عدد من
ولايات الجمهورية وكذلك منح الفرصة للمجموعات الإرهابية التي حاولت استهداف الوحدات
الأمنية ومقرات عملهم في أكثر من مدينة وللمتربصين تقرر تعليق العمل بالمعاليم.
وبين على أن قرار تعليق العمل بالمعاليم الجديدة أتى رغم قناعة الحكومة بوجاهة
إقرار هذه المعاليم باعتبارها وفق تعبيره في صالح الشعب والبلاد وفى صالح موازنات
الدولة المالية وفى صالح الفئات الوسطى والضعيفة ولدورها في محاصرة ظاهرة التهريب.
والثابت أن الإتاوات التي تم إقرارها منذ المشروع الأولي لقانون المالية الجديد
جوبهت بموجة من الانتقادات من طرف الأحزاب السياسية والأطراف الاجتماعية (منظمة
الأعراف والمنظمة الشغيلة) وعدد من الخبراء الاقتصاديين الذين حذروا الحكومة من
تداعيات مثل هذه الإجراءات.
غير انه وبعد اخذ ورد في إطار لجنة المالية والتخطيط والتنمية بالمجلس التأسيسي
التي رفضت إقرار الإتاوات تم التداول على مستوى الجلسة العامة المخصصة لمناقشة
مشروع قانون المالية ليوم الأحد 29 ديسمبر 2013 مراجعة هذه الإتاوات وخاصة تلك
الموظفة على السيارات الخاصة والمصادقة عليها بالإجماع.
ويشار إلى أن هذه الإتاوات وبعد المصادقة عليها كان من المفروض أن تدر على خزينة
الدولة قرابة 137 مليون دينار.
ووجب الانتباه إلى أن قرار علي العريض بشان الإتاوات ليس إلغاءها بل هو مجرد تعليق
العمل بهذه الإتاوات وقتيا إلى حين انتظار تسويتها من الناحية القانونية من خلال
تقديم تنقيح للسلطة التشريعية، بما يعني أن مصالح وزارة المالية ستنكب وحسب مصادرنا
منذ صباح يوم الجمعة على دراسة الفرضيات الخاصة بتنفيذ هذه الإتاوات في شكل وطريقة
جديدة.
ومن جهة أخرى وبعد موجة الغضب التي اجتاحت البلاد حيث رفض جل المواطنين الزيادات
الجديدة الموظفة في الميزانية وقانون المالية لسنة 2014 فإن السؤال الذي يفرض نفسه
بإلحاح هو هل يتم إرجاء أو تأخير تنفيذ قرار تعديل أسعار المحروقات الوارد بميزانية
الدولة للعام الجديد لامتصاص غضب جديد للشعب؟
لقد تضمنت ميزانية الدولة وبإقرار وزير المالية الياس الفخفاخ إجراء تعديل في أسعار
المحروقات بزيادة بمعدل 100 مليم للبنزين و 80 مليما للغازوال للتر الواحد بما
سيمكن من تعبئة 450 مليون دينار وذلك في إطار إصلاح منظومة الدعم وتوجيهه لمستحقيه.
غير انه وفي حال الإعلان عن هذه الزيادة المنتظرة والتي ستتم في عهد رئيس الحكومة
المنتظر مهدي جمعة قد يُخشى حصول اضطرابات جديدة وتصاعد موجة الاحتقان من جديد
والدخول في منعرجات خطيرة البلاد في غنى عنها.
وبحسب ما توفر لدينا من معلومات شحيحة من وزارة المالية فإن هذه المسألة غير مطروحة
في الوقت الراهن وأفادت مصادر مطلعة انه في حال إقرار إرجاء أو التراجع عن التعديل
في أسعار المحروقات فإن الإشكال الحاصل يكمن في إيجاد الموارد المالية الضرورة
اللازمة لتغطية النقص في توازن الميزانية جراء إمكانية العدول عن الترفيع في
الميزانية.
واستبعد المحلل الاقتصادي المختص في المسائل الطاقية فتحي النوري إمكانية إرجاء أو
تعليق قرار تعديل أسعار المحروقات من منطلق صعوبة إيجاد الموارد الضرورية لتمويل
صندوق التعويض الذي وصفه بالكارثة على الاقتصاد التونسي، مشيرا إلى أن قرار تعليق
العمل بالإتاوات هو قرار سياسي واجتماعي بامتياز لامتصاص غضب الشارع.
واعتبر أن موجة الاحتقان الحاصلة في البلاد ليس لها علاقة مباشرة بإلغاء الإتاوات
بقدر ما هي مرتبطة بعوامل نفسية من أبرزها أن شهر جانفي على مر التاريخ المعاصر
لتونس يعد ساخنا وشهد العديد من الحركات الاحتجاجية وفق رأيه.
وأضاف أن بعض الأشخاص يتربصون بالبلاد ويتحينون الفرص من اجل بث البلبلة لتحقيق
مآربهم الشخصية وهو ما انعكس على عمليات النهب والحرق التي طالت الممتلكات العامة
والخاصة.
وشدد في شأن تعديل أسعار المحروقات أن رئيس الحكومة القادم ليس له هامش تحرك كبير
ومن الصعب أن يعلق العمل بمثل هذا الإجراء مبرزا أن أي خبير اقتصادي في العالم مهما
كانت توجهاته ومرجعياته الفكرية سواء كانت ليبرالية أو يسارية أو إسلامية فانه في
مثل هذه الظروف التي تمر بها البلاد من الصعب أن يقوم بإرجاء تعديل أسعار المحروقات
في ظل تواضع المالية العمومية وخطر تفاقم المديونية والتضخم على الأبواب.
وتابع انه أمام رئيس الحكومة الجديد 3 خيارات لا مفر منها يتمثل الأول في عدم إقرار
التعديل والتوجع اثر ذلك للتداين الخارجي من اجل تعبئة موارد مالية من الخارج بما
يؤثر سلبا على المديونية وتزايد الضائقة الاقتصادية ويتمثل الثاني في عدم إقرار
تعديل الأسعار وإغراق صندوق التعويض وتحمل تداعيات مثل هذا الإجراء أما الخيار
الثالث إرجاء الزيادة في أسعار المحروقات وتعويض النقص الحاصل (450 م د) من خلال
القيام باقتطاع من ميزانية الوزارات وسيتم في هذا الإطار القيام بعملية تحكيم بين
الوزارات. مع إمكانية مواصلة التقليص في وسائل المصالح (مصاريف الوزارات) التي تم
التخفيض منها من 6 إلى 5 بالمائة بين سنتي 2013 و 2014 .
رياض بودربالة