مشاهد لم تلمحها من قبل أزقة وأنهج خالية، في المدينة العتيقة لجوهرة الساحل محلات بيع منتوجات الصناعات التقليدية خالية من الحرفاء وأساسا التقليديين في مثل هذه الفترة من السياح القادمين من أوروبا أو من الجزائر ومحلاّت أخرى موصدة… أجواء من الكآبة تخيّم على هذا الفضاء وهو الذي كان شريانا يضخّ الحياة في قطاع الصناعات التقليدية ويشكّل رافدا حيويّا للنشاط السياحي في ولاية سوسة
لولا بعض المارّين ووجود عدد من التجار الذين رغم خشيتهم من المستقبل القريب بعد أن أنهكهم مادّيا الماضي القريب منذ ثلاثة أشهر لخيّل لزائر المدينة العتيقة أنّها مهجورة وهي التي كانت تضجّ بالحركية …والكل يتذمّر من أزمة خانقة يعيشها قطاع الصناعات التقليدية منذ انطلاق فترة الحجر الصحي بل حتى قبلها.
شارع باريس أو كما يطلق عليه شارع المدينة العربي وروافده من أزقّة وأنهج الذي يمثل القلب النابض لمدينة سوسة على غير عادته حيث يشعر الزائر بأنّه في حالة مةت سريري والحزن تكشفه دون مواربة ملامح التجار المنتصبين به ولا تخفي تصريحاتهم لــ(وات) الوجع والمرارة لما آلت إليه أوضاعهم من تدهور بسبب غياب عمليات البيع والتسويق لمنتوجاتهم وهو إحساس مشترك بين الحرفيين والتجار إجماع على أن الحالة التي يعيشونها “كارثية باتم معنى الكلمة “وفق تعبيرهم، وخشيتهم أن الآفاق غير الواضحة في المستقبل القريب قد تعمّق جراحهم وتزيد في معاناتهم.
احمد بوديقة ،أحد الحرفيين في مجال النحاس، أكّد في تصريحه لـــ(وات) بخصوص “الوضعية المأساوية” صعبة التي يمر بها القطاع أنه لم يعش مثل هذه الوضعية طيلة 50 سنة امتهن فيها هذا النشاط مضيفا أن القطاع السياحي يشهد” ركودا عاما، بل يمرّ بوضعية كارثية” وفق تعبيره، مضيفا أنه اضطر إلى تسريح عدد من مساعديه والاكتفاء بالعمل وحيدا في متجره باعتبار أنه عجز على خلاص معلوم استهلاك الكهرباء.
ورغم هذه المعاناة فالابتسامة لم تفارق وجهه الشاحب لعلها تخبرنا بأمل لم ينطفئ حتى وإن خفت بريقه بأن هذه المرحلة ظرفية وستزول قريبا،
ويواصل العم بودريقة تزويق و نقش الأواني النحاسية ببراعة متناهية وحرفية كبيرة ومع كل طرقة إبداع وإصرار على مواصلة الجهد والتشبّث بالأمل في قادم أفضل.
ومع توغّلك داخل المدينة يتواصل نفس المشهد المأساوي فكل المحلات كأنها تناديك لتنفض الغبار عنها ولتذكّرك بأبعادها الحضارية والتاريخية التي بنت أمجاد المدينة العتيقة وساهمت في ثراء وديمومة مخزون الجهة والبلاد من العادات والتقاليد والتراث الثقافي كإحدى العلامات المضيئة التي تستقطب السياح التقليدين من بلدان أوروبية أو عربية وتطمح لاستقطاب آخرين من أسواق غير تقليدية.
وفي محاولته لوصف هذا الواقع المرير، قال شعبان قدورة وهو من مواليد 1941، تاجر في المنتوجات المصنوعة من الجلود أن جائحة كورونا عمقت الازمة وزادت في معاناة التجّار والحرفيين على حدّ السواء، مؤكّدا أن عملية البيع والشراء انعدمت لمدة 5 أشهر متتالية خصوصا بغياب السائح الأجنبي هو مصدر رزقهم الأهم والرئيسي ” ومع غيابه غابت كل مظاهر التسويق والبيع” ، مشيرا إلى أن تجارة الجلد تراجعت منذ سنة 2005 بما جعل معاناة التجار تزداد تدهورا سنة بعد أخرى، حسب قوله.
تلك هي المرارة التي يشترك في تقاسمها تجار المدينة العتيقة ، جعلتهم يجمعون أن الحلول صعبة وتتجاوز قدراتهم وتبقى مسؤولية الدولة في رأيهم المسار الوحيد للخروج من هذه الازمة
ولم يحد المندوب الجهوي للسياحة في سوسة توفيق القائد عند تشخيصه للأزمة الراهنة لقطاع الصناعات التقليدية عما عبر عنه التجار والحرفيون من ألم ومعاناة ليؤكد أن جائحة كورونا مسّت كل القطاعات ذات العلاقة بالنشاط السياحي على حد سواء، مشيرا إلى أن قطاع الصناعات التقليدية يمثل أحد الروافد الرئيسية لهذا القطاع السياحي في الجهة بل وفي بقية الجهات السياحية الجهات وبتضرّره تدهورت مداخيل الحرفيين والتجار وعائدات الدولة من العملة الصعبة.
ورغم قتامة المشهد لم يخف القائد أمله في أن يستعيد هذا القطاع مكانته العادية في تنشيط الحركة الاقتصادية بالمدينة العتيقة وذلك بعودة النشاط السياحي تدريجيا إلى حركيته كغيره من القطاعات المتضررة من جائحة كورونا ويبقى بصيص الأمل قائما ليثمر الحياة من جديد.