خلفت الإحتجاجات الإجتماعية التي شملت مناطق من البلاد ضحايا عدة لعل أهمها نمط السياسة الجهوية المتبعة إلى حد الآن، وآليات معالجة بطالة الشباب والشباب الجامعي بالخصوص، إضافة إلى سقوط أجهزة الإعلام الرسمي في إمتحان تغطية حدث وطني بهذه الأهمية
التنمية والأحزاب والإعلام أولى ضحايا سيدي بوزيد
|
جاء تدخل الرئيس زين العابدين بن علي مساء الثلاثاء نوفمبر ليضع حدا للصمت الرسمي حول أحداث سيدي بوزيد وليوضح ملامح السياسة التونسية في معالجاتها.
وقد أكد رئيس الدولة استمرارية نهج التنمية الجهوية التي يحرص على شموليتها لكل الجهات مع التأكيد على أهمية معالجة مشاكل البطالة وخاصة المزمنة منها والتي تمس أصحاب الشهائد العليا.
ولئن حرص الرئيس على إبداء تعاطفه وتفهمه لإحتجاجات الباحثين عن العمل فإنه طبعا قد شجب بقوة أعمال العنف، منددا بإستغلالها وتضخيمها وتوظيفها التوظيف السياسي الذي ذهب إليه البعض.
والملفت للنظر أنّ هذه الإحتجاجات الإجتماعية التي شملت مناطق من البلاد إنطلاقا من مدينة سيدي بوزيد قد خلفت ضحايا عدة لعل أهمها نمط السياسة الجهوية المتبعة إلى حد الآن، وآليات معالجة بطالة الشباب والشباب الجامعي بالخصوص، إضافة إلى سقوط أجهزة الإعلام الرسمي في إمتحان تغطية حدث وطني بهذه الأهمية.
إن أحداث سيدي بوزيد وهي التي جاءت بعد أحداث الحوض المنجمي وأحداث بن قردان، على مدى العامين الأخيرين تؤكد أن ولايات الغرب والجنوب التونسي، أي م ايفوق ثلثي البلاد تحس أن توزيع الثروة الوطنية برغم الإصلاحات الهامة التي قام بها الرئيس بن علي في هذا المجال بعد الإرث البورقيبي غير كافية بالمرة لطموحات المواطنين ولإحتياجات هذه المناطق. وتبين أن هشاشة النسيج الإقتصادي هذا إن وجد أصلا لا تفي بالحاجات الملحة لشباب هذه المناطق الذي يطمح مثل غيره إلى حياة كريمة ولائقة وعمل قار ومجز.
وتضع هذه الأحداث في الميزان نمط التنمية المتبع الذي ينبغي إصلاحه بوضوح عبر تخصيص جزء أكبر بكثير مما يخصص الآن لميزانيات التنمية العمومية والخاصة في المناطق الداخلية. إن هذه الأحداث جميعا والي تؤلم أي تونسي، جاءت لتقول صراحة أن على الحكومة الآن قلب أولوياتها بحيث تجعل الإستثمار يخصص في أكبر جزء منه للمناطق الداخلية التي لا زالت لم تأخذ بعد نصيبها من الثروة الوطنية.
ولقد عرت أحداث سيدي بوزيد كما فعلت سابقاتها في قفصة وفي بن قردان الإفلاس الشديد للأجهزة الحكومية والحزبية والشبابية القائمة منذ عقود والتي لم تستطع بوضوح لا التنبأ بما حدث ولا حتى مواكبته وتأطيره.
هذا الإفلاس يمس بالطبع أجهزة الحزب الحاكم في درجة أولى وهي التي تتبجح دائما بإتساع تواجدها وبعلاقتها الوطيدة مع المواطن أينما كان… كما يمس أيضا غيرها من الأجهزة لأحزاب المعارضة (الناعمة بالبرلمانية) الثابت أنها لا ناقة لها ولاجمل في الموضوع، وكذلك أحزاب المعارضة المدعية (الراديكالية) وغيرها من النقابات التي تحاول ركوب الموجة بعد إرتفاعها رغم أن ذلك لا ينطلي على أحد.
ولعل الضحية الأكبر والأشد وقعا في الموضوع هو الإعلام والإعلام الرسمي خاصة الذي هزم في سيدي بوزيد مرتين…الهزيمة الأولى وهي هزيمة المحتوى وهذه ليست المرة الأولى لغياب الحرية في كل ما يقع تناوله. أما الهزيمة الثانية فهي هزيمة الجاهزية التقنية في عصر الأنترنيت بعدما تكفلت الشبكات الاجتماعية في الواقع بدور الصحفي المتواجد في كل مكان… |
علي العيدي بن منصور |