تجتاز الثورة التونسية اليوم مرحلة جديدة في مسيرتها نحو التأسيس لنظام يُلبّي انتظارات المجتمع المدني والأطراف السياسية المختلفة. ولعلّ أهمّ مميزات هذه المرحلة التوجه نحو صياغة شرعية جديدة تنبني على العودة إلى الإرادة الشعبية المُعبّر عنها بطريقة ديمقراطية من خلال صناديق الاقتراع…
تونس: أيّ قانون انتخابي للمجلس التأسيسي؟ |
تجتاز الثورة التونسية اليوم مرحلة جديدة في مسيرتها نحو التأسيس لنظام يُلبّي انتظارات المجتمع المدني والأطراف السياسية المختلفة. ولعلّ أهمّ مميزات هذه المرحلة التوجه نحو صياغة شرعية جديدة تنبني على العودة إلى الإرادة الشعبية المُعبّر عنها بطريقة ديمقراطية من خلال صناديق الاقتراع. إنّ من أوكد مهام المجلس التأسيسي هو إعادة بناء الفضاء المؤسساتي للدولة في تونس مع ما يقتضيه ذلك من إعادة تنظيم العلاقة بين السلطات المختلفة بما يؤسّس للممارسة جديدة تقطع نهائيا مع الممارسات السابقة. وتعيش تونس هذه الأيام وإبان الثورة حالة مخاض سياسي أشبه بالعسير من أجل ولادة نظام سياسي جديد وحديث يتناغم مع ما قامت عليه الثورة من مبادئ ومفاهيم تتماشى ومتطلبات المرحلتين الراهنة والقادمة. وضمن هذا السياق نظّم مركز تونس للدراسات الاستشرافية يوم الثلاثاء بدار الثقافة ابن خلدون ندوة سياسية حول موضوع: أيّ قانون انتخابي للمجلس التأسيسي؟ بحضور ثلة من الأساتذة الأجلاء في التاريخ التونسي المعاصر وخبراء في القانون الدستور. وأراد منظمو هذه الندوة الحرص على المساهمة في تكوين رأي عام واع بكل إشكاليات المرحلة التي تُقدم عليها بلادنا في هذه الفترة الدقيقة من الثورة، ذلك أن الأمر يتعلق بأكثر من مجرد تفاصيل بل بخارطة سياسية جديدة. خلال هذه الندوة السياسية أجمع المحاضرون على حقائق ثابتة وهي أن تونس تريد أن تقطع نهائيا مع كل ما من شانه أن يُكرّس النظام الاستبدادي وتركيز نظام سياسي ديمقراطي تكون فيه إرادة الشعب هي الفيصل والحكم، مع لتحذير من خشية رجوع حزب التجمّع الدستوري الديمقراطي في ثوب جديد قد يساعده في ذلك طريقة انتخاب المجلي التأسيسي. لعبة القوائم ورهاناتها لقد حذّر السيد قيس سعيّد أستاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية من خطورة طرق اقتراع المجلس التأسيسي الثاني للجمهورية التونسية مستعرضا مقارنة بين الاقتراع على القائمات والاقتراع على الأفراد. فقد بيّن أن تقنية الاقتراع على القائمات قد تؤدّي إلى إقصاء الأحزاب الصغرى وكذلك القائمات المستقلة التي ليس بإمكانها أن تكون مُمثلة في كامل الدوائر الانتخابية، في حين أن الاقتراع على الأفراد وهي الأنسب في نظرة، فإن الناخب عند الاتجاه نحو مكتب الاقتراع فهو سيختار إلاّ مترشّحا واحدا ويستوجب أن تكون الدائرة الانتخابية على مستوى المعتمدية ومن الأفضل أن تكون كل ورقة تحمل صورة المترشح حتى يعرف الناخب لمن يعطي صوته وبالتالي لإمكانية محاسبته في حالة الإخلال بواجبه والدفاع عن مصالحه. وخلُص المحاضر إلى ضرورة تمكين الشعب التونسي من أفضل طريقة تمكّنه من تقديم أفضل لمرشحيه في انتخابات المجلس التأسيسي. مساوئ وسلبيات وفي ذات السياق نبّه العميد الصادق بلعيد إلى المساوئ والسلبيات التي يمكن أن ينجرّ عنها العمل بنظام القائمات عند انتخابات المجلس التأسيسي، مشيرا إلى أن نظام القائمات له مساوئ وسلبيات وهي خطيرة جدا في الظرف الحالي وهو أن هذا النظام سيسهّل التحالفات بين الأحزاب والفئات ويعطي فرصا أكبر للأحزاب المهيكلة والمتواجدة على الساحة السياسية منذ عدة سنوات بما في ذلك بقايا وشظايا التجمع الدستوري الديمقراطي التي سوف تتشكل من جديد في شكل أحزاب جديدة والقيام بتحالفات. وشدّد على ا، الهدف هو إقصاء الأحزاب بقدر ما هو الابتعاد كل البعد عن كل أشكال الظلم والاستبداد من خلال عودة رموز النظام الساق إلى سدرة الحكم في البلاد. وأفاد أن هذه الفترة تعرف نوعا من الغموض والارتباك حول النظام الانتخابي الذي يروم الشعب القيام به في انتخابات المجلس التأسيسي، موضحا في هذا الصدد أن الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي كانت قد قدمت يوم 19 مارس الجاري مشروعي قانون انتخابي في الغرض: نظام الاقتراع على القائمات ونظام الاقتراع على الأفراد. وأكّد العميد الصادق بلعيد أن رئيس الهيئة اعترف بصعوبة النظام على القائمات وأنه صعب الفهم والتطبيق لاسيما وأن الوقت وجيز إذ أنه ينبغي أن تدور انتخابات المجلس التأسيسي يوم 24 جويلية وأن أوّل جلسة له ستكون يوم 25 جويلية 2011. تجديد النخبة السياسية في تونس وعن الأمل في تجديد النخبة السياسية في تونس قدّم السيد عدنان منصّر أستاذ التاريخ المعاصر بالجامعة التونسية طرحا في الغرض مؤكدا أنه مع انتخاب المجلس التأسيسي الثاني والخروج بدستور ثالث لتونس يُفترض القطع مع حقبة مُعيّنة والتأسيس لمرحلة سياسية جديدة تقطع مع الماضي المظلم والانتقال إلى عهد الحرية والعدالة. وقال إنّ الثورات عموما تُحدث تجديدا جذريا في كل المجالات ويُفترض أن تحدث أيضا تجديدا في العملية السياسية ومن ضمنها تجديد الطبقة السياسية، واستدل في هذا الاتجاه على أنه تم منذ 21 جوان 1955 إلغاء "القيّاد" وتعيين ولاة جدد وإثر ذلك تم إحداث محكمة القضاء العليا مهمتها تصفية النخب السياسية المتعاونة مع الاستعمار وتم إصدار قانون مصادرة المكاسب غير المشروعة وفي الأثناء لم تصدر أحكام بالإعدام أو بالسجن بل إصدار أحكام تتصل بعدم التمتع بالحقوق المدنية أي بطريقة أخرى إلغاء الدور السياسي لهذه الطبقة والمساعدة على أن تحُلّ طبقة سياسية جديدة. وبيّن أن من بين أهداف المجلس التأسيسي القيام بعمل إلغاء جميع الطبقة السياسية المؤيّدة للنظام الدكتاتوري السابق معتبرا أن ما يحدث اليوم في الساحة السياسية في تونس هو بداية تحالفات تدفع في اتجاه الاقتراع على نظام القوائم وقاعدة النسبية مبرزا أن طريقة الاقتراع بالقوائم لا نساعد إلاّ الأحزاب الكبيرة. ولم يخف المحاضر تخوفه من أن يفرز المجلس التأسيسي تحالفات وكتلا سياسية جعل من إصدار قرار تجديد النخب السياسية أمرا صعب المنال.
|
مهدي الزغلامي |