لا يشك أحد في مدى الضرر الحاصل للاقتصاد التونسي جرّاء الأحداث التي اندلعت بعد ثورة 14 جانفي وما رافقها من أضرار جسيمة لحقت الجهاز الإنتاجي ومسّت بشكل ملحوظ مختلف دواليب الآلة الاقتصادية للبلاد إلى حدود العجز عن رد الفعل، إذ تقارب نسبة النمو بمفعول هذه الوضعية الصعبة ما بين صفر (0) و1%…
لماذا تمّ تغييب القطاع الفلاحي عن الإجراءات الظرفية الاقتصادية بتونس؟ |
لا يشك أحد في مدى الضرر الحاصل للاقتصاد التونسي جرّاء الأحداث التي اندلعت بعد ثورة 14 جانفي وما رافقها من أضرار جسيمة لحقت الجهاز الإنتاجي ومسّت بشكل ملحوظ مختلف دواليب الآلة الاقتصادية للبلاد إلى حدود العجز عن رد الفعل، إذ تقارب نسبة النمو بمفعول هذه الوضعية الصعبة ما بين صفر (0) و1%.
وعلى امتداد الأشهر الأولى تعالت الأصوات من رجال أعمال ومستثمرين ومصنّعين وخبراء اقتصاديين بضرورة تحرّك الحكومة الوطنية المؤقتة لاتخاذ إجراءات عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والحفاظ قدر الإمكان على مواطن الشغل والتقليص من شلل الاقتصاد الوطني والعودة إلى سالف نشاطه.
الإجابة عن هذا الوضع المتردي جاءت منذ أسبوعين بإقرار الحكومة خلال مجلس وزراء لمخطط لإعادة إطلاق الاقتصاد التونسي فقد ارتأت الحكومة المؤقتة اعتماد برنامج اقتصادي واجتماعي على المدى القصير يكون له انعكاس فوري على المجالات الحيوية.
ويشتمل هذا البرنامج على 17 إجراء موزعة حسب أربع خطط عما أفقية والتي يناسب عددها عدد الأهداف المرسومة وهي التشغيل ومساندة المؤسسات الاقتصادية وتمويلها والتنمية الجهوية والعمل الاجتماعي.
وتولّى الوزراء تحليل هذه الإجراءات وشرحها من خلال ندوات صحفية والإعلان عن اتخاذ إجراءات ظرفية ذات طابع جبائي واجتماعي ومالي في قطاعات الصناعة والتجارة وآخرها ما أعلنه يوم الجمعة مجلس الوزراء من اتخاذ إجراءات ظرفية لمساندة مؤسسات النقل والتجهيز.
غير أن الملفت للانتباه والمثير للاستغراب، هو لماذا لم يقع إفراد القطاع الفلاحي بإجراءات ظرفية لمساندته؟ ألا يعتبر قطاع اقتصادي واجتماعي في المقام الأول؟ هل أنه لا يشتكي صعوبات هيكلية وظرفية تستوجب معالجتها؟ أين المنظمة الفلاحية للضغط على الحكومة لاتخاذ إجراءات لإنقاذ القطاع من العديد من الإشكاليات العالقة؟
أسئلة عالقة ما زالت تبحث عن إجابة تشفي غليل الفلاحين التونسيين الذين لم يضربوا منذ اندلاع الثورة بل تفانوا في تزويد البلاد بالمنتوجات الفلاحية والغذائية الأمر الذي يؤثر سلبا على نسق التزويد وعدم ارتفاع الأسعار.
لئن عبّر أصحاب المؤسسات الصناعية والتجارية والسياحية والخدماتية ومؤسسات النقل والتجهيز عن امتعاضهم من حجم الأضرار التي لحقت بهم وأثّرت على نشاطهم الذي تراجع بشكل ملفت للانتباه وتسببّ في تعطيل عملهم بل تسبّب في تفاقم حجم البطالة الفنية صلب هذه المؤسسات والوحدات الإنتاجية، فقد استجابت الحكومة ومن خلال الوزراء المعنيين الذين أعلنوا عن ترسانة من القرارات الهامة ستأخذ بأيديهم لتجاوز الأزمة الظرفية التي يمرّون بها.
وفي المقابل تم تغييب الفلاحين ومستغلاتهم الفلاحية من هذه الإجراءات الظرفية، فالمتابع للشأن الاقتصادي الوطني وبالتحديد القطاع الفلاحي الأكيد أنه تابع وقرأ على أعمدة الصحف و شاهد في القنوات التلفزية ما حصل للعديد من الضيعات الفلاحية من عمليات نهب وسرقة وتخريب كبيرة وتذمّر أصحابها من حجم الضرر المادي والمعنوي الذي لحق بهم وعجزهم عن الإيفاء بتعهداتهم تجاه القروض البنكية العالقة.
هذا الضرر شمل بالتحديد الأراضي الفلاحية والغراسات التي تم اقتلاعها وإتلافها وسرقة المواشي وبيعها بأبخس الأثمان وكذلك إتلاف المعدات الفلاحية إمّا بتهشيمها أو حرقها.
والغريب في الأمر أنه في ظل تواجد معطيات وأرقام شبه رسمية عن حجم الأضرار في مجمل القطاعات الصناعية والتجارية والسياحية والخدماتية، فإنه بالمقابل هناك غياب كلّي عن الأرقام والبيانات الخاصة بحصر حجم الخسائر التي تكبّدها القطاع الفلاحي كم جراء الأحداث التي عرفتها البلاد ي مطلع العام.
إن اتخاذ الحكومة لسلسلة من القرارات الظرفية لمساندة القطاعات الحيوية في ظل تغييب واضح وجلي للنشاط الفلاحي، يحيلنا إلى حقيقة ثابتة وهي عدم الاعتراف بأهمية هذا القطاع ووزنه في الاقتصاد الوطني من خلال دوره الاستراتيجي في تحقيق الاكتفاء الغذائي وتأمين التزويد من المواد الأساسية الحساسة.
ولئن ضغطت منظمة الأعراف وتحرّكت بسرعة وكثفت من اتصالها بالمسؤولين في الحكومة الوطنية المؤقتة لاتخاذ الإجراءات في الوقت المناسب لوقف نزيف الخسائر، فإن المنظمة الفلاحية واصلت سباتها العميق على مستوى الدفاع عن مصالح الفلاحين وظلت في صراعات جانبية حول تسيير المنظمة في الوقت الذي يجب تظافر الجهود من أجل الموسم الفلاحي الحالي وخاصة موسم الزراعات الكبرى وصابة الحبوب والتي تدل البوادر الأولية على أنها ستكون جيدة وتبشّر بكل خير.
الأمل في أن تتدارك الحكومة المؤقتة هذا الخطأ الاستراتيجي في التعامل مع قطاع جوهري والإسراع بإقرار إجراءات ظرفية على غرار ما تم اتخاذه لبقية القطاعات الأخرى والأخذ بعين الاعتبار خصوصيات القطاع ومتطلباته في هذا الظرف على مستوى دعم المحروقات و وترويج المنتوج ومستلزمات الإنتاج وبالخصوص إيجاد حلول ظرفية لمديونية القطاع.
|
مهدي الزغلامي |