بشهادة جميع مكونات المجتمع ساهم الشباب التونسي في الإطاحة بالنظام السابق ونزل إلى الشوارع من خلال المظاهرات عبيرا منه على عدم رضاه بالوضعية التي يعيشها. ففي “السنة الدولية للشباب” قام الشباب التونسي بثورته على العديد من المفاهيم السائدة ورفضها رفضا قطعيا باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وتمرير العديد من …
أي تموقع للشباب التونسي في الحكومة المؤقتة؟ |
بشهادة جميع مكونات المجتمع ساهم الشباب التونسي في الإطاحة بالنظام السابق ونزل إلى الشوارع من خلال المظاهرات عبيرا منه على عدم رضاه بالوضعية التي يعيشها. ففي "السنة الدولية للشباب" قام الشباب التونسي بثورته على العديد من المفاهيم السائدة ورفضها رفضا قطعيا باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وتمرير العديد من الشعارات والأغاني وتمرير اللقطات والومضات التي تبرز فضاعة ما حصل للشعب في الفترة الممتدة بين 17 ديسمبر 2010 وموفى جانفي 2011 من قتل متعمّد لعشرات الشباب الذين واجهوا رصاص القناصة مدافعين عن مبادئ حان الوقت لإبرازها وظهورها لترى النور.
في هذه الفترة يمكن التأكيد أنه حصلت المصالحة بين جيلين ظلا للعديد من السنوات يحملان ضدّ بعضهما إحترازات حول التواصل والتعامل بين جيل التغيير والجيل الذي سبقه، إذ أن هذا ألخير يرى أن الشباب قد حاد عن الطرق السوي والصحيح ودخل منعرج الميوعة واللامبالاة والفراغ الأخلاقي والروحي غير أن ثورة الكرامة أثبتت عكس ذلك بأن الشباب التونسي كان في صدارة القوى الحية في البلاد التي تصدت لحركات القمع ونزلت بثقلها في الشارع لإرغام المخلوع على الفرار والذود ببسالة عن الأحياء في فترة الانفلات الأمني الذي ساد في تلك الفترة.
أما اليوم وبعد انقضاء حوالي3 أشهر عن الثورة ومجيء ثلاثة حكومات(فرضها أيضا الشباب) الأسئلة التي تفرض نفسها بإلحاح، أين برامج الشباب في الحكومات الثلاث المتعاقبة؟ وماذا قدمت فعليا هذه الحكومات وخاصة الحكومة الأخيرة( باعتبارها الأكثر استقرارا) ؟ وماهي المقاربة الجديدة بعد الثورة للشباب التونسي؟ وما هم دور الشباب في بناء تونس الجديدة؟
الثابت والمتأكّد أن الحكومات الوطنية الثلاث حصرت تعاملها مع الشباب في قضية التشغيل وبالتحديد تشغيل حاملي الشهائد العليا، وبقدر ما نفهم أن دور الحكومة هو مؤقت فإنه في اعتقادنا أن قضية الشباب التونسي لا تنحصر فقط في التشغيل بل في العديد من المسائل.
لنتفق في البداية أن التشغيل يظلّ من أوكد الأولويات العاجلة والتي لا تحمل التأخير باعتباره الضامن لكرامة الفرد والمُحقّق لذاته ومن العناصر الجوهرية لمبادئ حقوق الإنسان. فمن الأسباب المباشرة التي قامت عليها الثورة هي الحق في التشغيل وتحقيق العدالة الاجتماعية بين جميع الشباب في الحصول على موطن شغل يضمن الكرامة.
بالرغم من الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد وخاصة تلك المتصلة بالجوانب الاقتصادية والتنموية إذ أن التقارير الرسمية تشير إلى أن نسبة النمو في تونس ستكون مع موفى هذا العام ما بين الصفر و1%، فقد سعت الحكومة الحالية إلى توفير قرابة 60 ألف موطن شغل كما ضغطت العديد من الوزارات على ميزانيتها وتأجيل إنجاز بعض المشاريع في سبيل توفير مواطن شغل إضافية.
بقدر ما هذه البرامج تُعدّ هامة وجديرة بالاحترام، فإن قضايا الشباب التونسي لا تنحصر فقط في التشغيل، بل في العديد من المسائل والقضايا الجوهرية المتصلة بتموقعه في المجتمع التونسي ومدى مساهمته في اتخاذ القرار في العديد من الملفات والمواضيع ذات الشأن الوطني ومن بينهم تحديدا تصوراته في السياسة التشغيلية المعتمدة.
هذا التموقع يمكن عكسه في أشغال الهيئة الوطنية لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي والإصلاح السياسي من خلال الثقل الغير الواضح للشباب في مداولات الهيئة واحتكار لبعض الشخصيات الوطنية وممثلي الأحزاب الأشغال الكلمة في وسائل الإعلام الوطنية.
على ذكر وسائل الإعلام لاحظنا غياب شبه واضح للبرامج الموجهة للشباب والمهتمة بمشاغله وقضاياه بصفة معمقة ومدروسة تغوص في أوضاع الشباب التونسي وتبحث في مشاكله الحقيقية وتطرح البدائل والحلول، وحتى البرامج الحالية تبدو سطحية ولا تلامس ما يخالج الشباب من انتظارات.
تركيبة الحكومة الحالية تحتوي على عنصر شبابي واحد في مجموعة كبيرة من الكهول في الوقت الذي تعجّ البلاد بالعديد من الطاقات والخبرات الشبابية التونسية التي لها من الأفكار والبرامج الطموحة بالإمكان الاستفادة منها وتحقيق الإضافة المرجوة في العديد من المجالات.
على ذكر عضو الحكومة الشاب الوحيد المُكلّف بالشباب وهو المدوّن سليم عمامو لم نسمع في المدة الأخيرة ولم نطالع في وسائل الإعلام أنه قام ولو بنشاط لفائدة الشباب أو حتى التقى أو تحوّل إلى داخل الجمهورية واستمع إلى شباب الجهات الداخلية وتحدث إليهم باللغة التي يفهمونها من منطلق أنه شاب وله نفس المشاغل في السابق قبل أن يقع تعيينه في خطة كاتب دولة.
من ضمن المسائل والقضايا الشبابية التي تستحق التركيز عليها أكثر من أي وقت مضى تلك المتعلّقة بالمسائل الروحية والدينية وحرية التعبير والعمل السياسي، إذ ينبغي على الحكومة الحالية وقبل فوات الأوان وكذلك الجمعيات العمل على ضمان التأطير الضروري للشباب في التعاطي مع الملفات التي ذكرناها آنفا لتفادي الانزلاقات الخطيرة التي قد تحصل في المستقبل.
ما نلاحظه اليوم الضبابية الحاصلة عند الشباب في التعاطي مع بعض المفاهيم والمبادئ الجديدة واندفاعهم في تبني هذه المفاهيم من دون استساغها جيّدا في ظلّ غياب شبه كلي لبرامج تثقيفية وتوعوية توضح هذه المفاهيم بشكل علمي.
العديد من الأطراف والأحزاب السياسية تسعى اليوم إلى استقطاب الشباب ليكون لاحقا قوّة ضغط في الانتخابات لكنّهم لا يعلمون أن هذه القوّة قد تنقلب ضدّهم إذا لم يقع تأطيرهم ومغالطتهم وليتّخذوا من الرئيس السابق عبرة لهم !!!
|
مهدي الزغلامي |