يعتبر ملف توريد السيارات من المواضيع الهامة التي يتابعها المواطن التونسي بشغف. وقد سعينا في كتابة هذا المقال لتوضيح الرؤية المستقبلية لوزارة التجارة فيما يتعلق بتحرير توريد السيارات، للقطع مع النظام القديم الذي كان يقوم على المحسوبية في توزيع واردات السيارات على حصص بين وكلاء السيارات…
بشرى للتونسيين- تحرير توريد السيارات ممكن في القريب |
يعتبر ملف توريد السيارات من المواضيع الهامة التي يتابعها المواطن التونسي بشغف. وقد سعينا في كتابة هذا المقال لتوضيح الرؤية المستقبلية لوزارة التجارة فيما يتعلق بتحرير توريد السيارات، للقطع مع النظام القديم الذي كان يقوم على المحسوبية في توزيع واردات السيارات على حصص بين وكلاء السيارات.
تاريخيا، ومنذ توقيع اتفاق الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي عام 1994 بخصوص تحرير المبادلات التجارية، كان هناك توجها سياسيا واقتصاديا لتحرير التجارة وهذا ما تحقق بالفعل بحيث أصبحت التجارة الخارجية متحررة بشكل شبه كلي (90 بالمائة).
لكن رغم ذلك بقيت بعض الواردات خاضعة لمراقبة الإدارة وتأطيرها مثل توريد السيارات. والسؤال المطروح في هذا المضمار هو لماذا لم ترفع تونس يدها عن تحرير توريد السيارات؟
وتتمثل رقابة الدولة في توريد السيارات في 4 مقاييس أساسية، وهي كالآتي:
–المقياس الأول: لا يمكن لأي كان توريد السيارات، إلا إذا ما تحصل على ترخيص مسبق من وزارة التجارة طبقا لشروط محددة (مثلا يجب أن تتوفر لوكيل السيارات بنية تحتية كالمستودعات وقاعات العروض ومصلحة الصيانة وخدمات ما بعد البيع…).
– المقياس الثاني: يتمّ توزيع حصص توريد السيارات على أساس التعاون الصناعي لوكلاء السيارات، بمعنى أن وزارة التجارة تضبط حصة كل مزود بناء على شرائه أو تصديره لمنتوجات صناعية تونسية من قطاع الصناعات الكهربائية والميكانيكية أو استثماره في مشاريع في نفس القطاع.
–المقياس الثالث: يقع توريد السيارات بالرجوع إلى الميزان التجاري بحيث كلما تفاقم العجز التجاري بسبب ارتفاع الواردات على حساب الصادارت كلما ارتفع إنفاق العملة الصعبة على الشراءات من الخارج، وبالتالي أبقت الدولة مراقبتها على توريد السيارات حتى تحافظ على احتياطها من العملة. وقد تلجأ الدولة إذا تفاقم العجز إلى الحدّ من التوريد (توريد السيارات مثلا) للتحكم في العملة الصعبة أو إنفاقها في توريد مواد أولية لها أهمية أكبر.
-المقياس الرابع: بتعلق بحماية الإنتاج المحلي لنوع معين من السيارات كانت تنتجها تونس، لكن الإنتاج المحلي توقف منذ عام 1988.
إذا فإنّ كل هذه الإجراءات المذكورة جعلت الإدارة التونسية تواصل تأطيرها لتوريد السيارات، لكن هذا لا يعني أنّ الوضع سيبقى كما هو عليه، إذ يبدو أنّ وزارة التجارة تفكر في وضع مخطط استراتيجي لتحرير توريد السيارات في المستقبل، لتصبح البلاد أكثر ليبرالية في هذا المجال.
وفي السياق، يؤكد ناصر الوسلاتي مدير عام التجارة الخارجية بوزارة التجارة أنّ رفع الإجراءات التضييقية على توريد السيارات موضوع مطروح على طاولة النقاش.
وأكد للمصدر أنّه إذا تمّ الشروع في تحرير واردات السيارات فإنّ جميع الإجراءات المعمول بها حاليا سيقع إلغاؤها في المستقبل، ما عدى شرط حصول وكيل السيارات على ترخيص مسبق وفق كراش شروط مضبوطة ضمانا لحماية المستهلك وسلامته.
كما أشار الوسلاتي إلى أنّ الإدارة ستبقى يقظة في مراقبة الممارسات غير المشروعة عند التوريد (بيع منتوجات بسعر بخس جدا لإلحاق الضرر ببقية المنافسين مثلا) ومعاقبة كل المخالفين لقواعد المنافسة الشريفة.
أمّا بقية الإجراءات الأخرى المعتمدة فيمكن التخلي عنها. فبالنسبة إلى المقياس الثاني (التعاون الصناعي)، يقول ناصر الوسلاتي إنّ هذا الإجراء يمكن الاستغناء عنه الآن لأنّه حينما تمّ وضعه في السابق كان يهدف لتطوير الاستثمار في قطاع الصناعات الميكانيكية والكهربائية.
ويقول "عام 1990 كانت الاستثمارات في الصناعات الكهربائية والميكانيكة ضعيفة وكانت صادراته قليلة. حاليا أصبح هذا قطاع يحتل المركز الأول في التصدير. وبالتالي ليس مطلوبا أن نبقي على شرط التعاون الصناعي في هذا القطاع بما أنه أصبح مشعا".
وبخصوص المقياس الثالث (الميزان التجاري)، يقول ناصر الوسلاتي "بقية الاجراءات سيتعين كذلك رفعها ومنها عجز الميزان التجاري إذ سنصل يوما ما لتغطية العجز بفضل الرفع من نسق التصدير".
وفيما يتعلق بالمقياس الرابع (حماية الإنتاج المحلي)، يقول ناصر الوسلاتي إنّ هذا الإجراء يمكن التخلي عنه باعتبار أن تونس أصبح لديها العديد من البرامج الصناعية لتحسين المقدرة التنافسية للمنتوجات (برنامج التأهيل، النهوض بالجودة، التجديد).
وفي انتظار أن يقع تحرير توريد السيارات عندما تتهيأ الظروف الموضوعية لذلك، باعتبار أن الوضع الحالي غير مناسب بسبب تداعيات الثورة على الاقتصاد (تراجع الإنتاج، تراجع التصدير، تضرر العديد من المؤسسات والقطاعات…)، اتفقت وزارة التجارة مع وكلاء السيارات على توزيع حصص توريد السيارات فيما بينهم.
واجتمع ممثلون عن وزارة التجارة ووكلاء السيارات من قبل وتمّ التوصل إلى اتفاق بين جميع الأطراف يقضي بأنّ تبقي وزارة التجارة على توريد نفس كمية السيارات الموردة العام الماضي، على ان يتقاسم وكلاء السيارات الحصص فيما بينهم وأن يقع توريد الحصص بدفعات كل ثلاثة أشهر.
وبالتالي فإنّ عدد السيارات التي سيقع توريدها العام الحالي في حدود 45 ألف سيارة، باعتبار أن العام الماضي وقع توريد هذه الكمية، مقابل 40 ألف سيارة عام 2009، و 8 3 ألف سيارة عام 2008.
ويقول ناصر الوسلاتي "الطرافة الآن تكمن في أنّ توزيع الحصص لم يعد يتمّ من قبل الدولة ولكن من قبل وكلاء السيارات". مع الإشارة إلى أنه في عهد بن علي كانت الحصص توزع في القصر على أساس "الأقربون أولى بالمعروف".
وفي الأخير بقي سوى أن نقول إنّ تحرير السيارات في تونس سيكون له وقع إيجابي على المواطنين الذين سيكونون أكثر الرابحين من هذا التمشي.
|
خ ب ب |