يمكن تشبيه ما يحصل لتونس في هذا الظرف وفي هذا الوقت بذلك الرجل الذي كان في غيبوبة (23 سنة من حكم بن علي) وخرج من هذه الغيبوبة ( حصول الثورة) والدخول في فترة الإنعاش (الانفلات الأمني وأحداث النهب والحرق والسرقة) وسرعان ما بدأت تتحسّن حالته الصحية نسبيا وبدأ يتعافى نوعا ما بتناول المضادات الحيوية وحزمة من …
هل انتكست الثورة التونسية فعلا ؟ |
يمكن تشبيه ما يحصل لتونس في هذا الظرف وفي هذا الوقت بذلك الرجل الذي كان في غيبوبة (23 سنة من حكم بن علي) وخرج من هذه الغيبوبة ( حصول الثورة) والدخول في فترة الإنعاش (الانفلات الأمني وأحداث النهب والحرق والسرقة) وسرعان ما بدأت تتحسّن حالته الصحية نسبيا وبدأ يتعافى نوعا ما بتناول المضادات الحيوية وحزمة من الأقراص المُهدّأة (الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية).
ولمّا اعتقدنا أن حالة هذا المريض بدأت فعلا تتحسّن ويشتدّ عوده ( من خلال العودة التدريجية للنسق العادي للحياة الاقتصادية والاجتماعية والحراك السياسي زخم الإجراءات المتواصلة في البلاد) سرعان ما حصلت له انتكاسة جديدة على مستوى حالته الصحية التي لا تزال هشّة وتحتاج إلى المراقبة الصحية اللصيقة والدقيقة.
هذه الانتكاسة سببها التصريحات القوية التي أدلى بها وزير الداخلية السابق من خلال توجيهه لجملة من الاتهامات الخطيرة لرئيس أركان الجيش التونسي والوزير الأول الحالي وأحد رجال الأعمال الضالعين في المشهد السياسي زمن بن علي، الأمر الذي أدخل هذا المريض والذي نقصد به تونس في انتكاسة وتوعّك صحي، تُرجم يوم أمس الخميس بردود فعل متضاربة وأدخل البلبلة في صفوف التونسيين الذين وجدوا أنفسهم أمام مأزق سياسيي جديد لا يستطيعون بموجبه استساغ الغثّ من السمين.
ما حصل من تصريحات خطيرة وما انجرّ عنها من تبعات وأحداث شغب في بعض مناطق البلاد وخاصّة ما حصل عشية أمس في العاصمة من مصادمات بين أعوان الأمن وبعض المواطنين تمت تفرقتها بالقوة، يوحي بضرورة إعلان ناقوس الخطر في تونس والعمل على التصدي "بحزم" لكل ما من شأنه أن يعود بالبلاد إلى الوراء والزجّ بها في متاهات الشعب في غنى عنها.
ما يجري حاليا على ساحة الأحداث السياسية خاصّة يوحي بأن الثورة التونسية على وشك الانتكاس والرجوع بها إلى الوراء، ليس فقط ما خلّفته تصريحات وزير الداخلية السابق من ردود أفعال متباينة بل كذلك ما يجري في الوقت الراهن من تطورات نحو الأسفل من جرّاء تتالي المطلبية وارتفاع نسبة الاحتجاجات والاعتصامات والتضارب الحاصل في بعض الهياكل وتنامي "الواعز" النقابي الذي طفا على سطح مجريات الأحداث بشكل شلّ حركة نمو يعض القطاعات الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن التجاذبات الحاصلة في التعاطي مع الشأن الديني ومسألة تسييس الأبعاد الدينية عند التعاطي مع مواضيع تتصل بالإسلام على غرار الحجاب والدعوة إلى التحجّب انتشار ظاهرة الصلاة في الشوارع.
صحيح أن عمر الثورة التونسية حوالي 4 أشهر وهو عمر صغير جدا بالمقارنة مع عمر الثورات التي حصلت في العالم وانّه ينبغي انتظار العديد من السنوات لجني ثمار هذه الثورات والتأكد من نجاحها بالكامل، لكن الأمر الذي يتعيّن أخذه بعين الاعتبار هو الخوف من حصول انتكاسة حقيقية للثورة التونسية ولدخول في ما يُعرف بالثورة المُضادّة والتي لا عواقب وخيمة جدّ سلبية على واقع وخاصة مستقبل البلاد والعباد، من ذلك الفوضى العارمة والدخول في حلقة مفرغة من "النقاش البيزنطي" وصراع التيارات السياسية فيما بينها على حساب المسائل الحياتية والمعيشية وهو ما يمكن أن يُحيلنا إلى مرحلة أخطر وهي اللجوء إلى قانون الغاب والبقاء للأقوى!!!
الأمر الثابت والمتأكّد أن الظرف الحالي والدقيق الذي تمرّ به تونس يستوجب التحلّي بالوطنية الخالصة والحقيقية وجعل مصلحة البلاد فوق كل اعتبار ودرء الصراعات السياسية جانبا والتخطيط إلى مستقبل أفضل للبلاد وتأمين مستقبل واعد للشباب الذي صنع الثورة والذي يشاهد حاليا أن ثورته تُسرق منه!!!
|
محرز الماجري |