أرقام مفزعة ومؤشرات خطيرة تلك التي قدمها مؤخرا وزير الشؤون الاجتماعية بخصوص ارتفاع النسبة المائوية للاعتصامات والإضرابات حول تحسين الوضعيات المهنية والترفيع من الأجور والمنح. وتحيلنا هذه الإحصائيات إلى التساؤل حول مدى انعكاس هذه الإضرابات، وفي غالبها غير مُبرّر ومن دون سابق إعلام، على نسق الإنتاج …
أيّ تأثير للترفيع في الأجور على القدرة التنافسية للاقتصاد التونسي |
أرقام مفزعة ومؤشرات خطيرة تلك التي قدمها مؤخرا وزير الشؤون الاجتماعية بخصوص ارتفاع النسبة المائوية للاعتصامات والإضرابات حول تحسين الوضعيات المهنية والترفيع من الأجور والمنح. وتحيلنا هذه الإحصائيات إلى التساؤل حول مدى انعكاس هذه الإضرابات، وفي غالبها غير مُبرّر ومن دون سابق إعلام، على نسق الإنتاج المؤسسات الاقتصادية التونسية وخاصة الأجنبية المنتصبة في بلادنا وإجمالا مدى تأثير هذه الإضرابات على نمو الاقتصاد التونسي وبصفة خاصة الانعكاس المباشر على القدرة التنافسية لموقع تونس كوجهة استثمارية؟؟؟
اندلعت مع ثورة 14 جانفي 2011 موجة كبيرة من الاعتصامات والإضرابات في أغلب القطاعات والمجالات وتركّزت هذه الوضعية بالتحديد في الكثير من المؤسسات الاقتصادية والمجمّعات الكبرى وتزامن معها انفلات نقابي اتّسم بالتصاعد الهام لتكوين نقابات قطاعية وأساسية الهدف الأساسي منها هو الدفاع عن حقوقهم ومصالح العمّال والموظفين الذين هم على يقين بأنّ حقوقهم قد هُضمت من حيث الأجور الزهيدة التي يتحصلون عليها وحتى المفاوضات الاجتماعية حول الزيادة في الأجور لم تكن في مستوى طموحاتهم وانتظارات العمال والموظفين لا سيما من خلال تواضع قدرتهم الشرائية.
ومنذ الثورة حققت مختلف النقابات العديد من المكاسب الاجتماعية لفائدة منظوريها على العديد من الأصعدة وفي مقدمتها استجابة المؤسسات إلى تسوية الوضعيات العالقة من ذلك ترسيم الأعوان والترفيع من الأجور والحصول على المنح الخصوصية.
الثابت أنّ هذه العملية ستكون لها آثار مالية مباشرة على ميزانية الدولة وهو ما جعل الحكومة تُعلن عن إعادة الميزانية وإقرار قانون مالية تكميلي لهذه السنة لمجابهة الضغوطات الاجتماعية المفروضة المتأتية أساسا من الترفيع في الأجور والاستجابة إلى الطلبات الإضافية للتشغيل.
ولئن كانت هذه المسألة محسومة ومُحدّدة في القطاع العام، فإن السؤال الذي يقرض نفسه هو أي تأثير لعملية الترفيع في الأجور وتسوية الوضعيات المهنية على مؤسسات القطاع الخاص ومنها خصوصا المؤسسات الأجنبية المنتصبة في تونس وأي تأثير لعملية الزيادة في الأجور على القدرة التنافسية للمؤسسات الاقتصادية بصفة خاصة والاقتصاد التونسي بصفة عامة؟
ما يمكن التأكيد عليه أنه بالرغم من الآثار الإيجابية بشأن تحسين وضعيات العمال والترفيع الملحوظ للرواتب الشهرية والحصول على المنح المتصلة بوضعية وظروف العمل وكذلك الانعكاس الايجابي على السلم الاجتماعية وتطوير القدرة الشرائية والاستهلاكية للعمال، فإن هذه المسألة سيكون لها انعكاسات مباشرة على القدرة التنافسية للمؤسسات الاقتصادية من منطلق أن الزيادة في الأجور ستفرض أعباء إضافية على المؤسسات خاصة من حيث ارتفاع كلفة المنتوج المفروض أن تكون كُلفته مدروسة بطريقة تجعله يكون قابلا للترويج والتصدير.
إنّ الظرف السياسي وخاصة الظرف الاقتصادي الذي تمر به تونس أثر بشكل كبير على الإنتاجية والتصدير وهو ما كان له عواقب سلبية على نسبة النموّ الإجمالية للاقتصاد الوطني فضلا عن التراجع المذهل للعائدات المالية للمؤسسات الاقتصادية وخاصة تلك توجه نشاطها محو التصدير والحال أن هذه المؤسسات الاقتصادية كانت قد التزمت بالقيام بالترفيع في أجور العمال وهو ما يطرح إشكال الصعوبات المالية لأغلب هذه المؤسسات التي ستجد نفسها مأزق انخرام موازناتها المالية.
الوضعية المالية الصعبة التي تمر بها المؤسسات تنضاف إليها إشكالية تدهور الإنتاجية جرّاء كثرة والإضرابات والتغيّب، سيؤثّر بدون أدنى شكّ على تنافسية المؤسسات الاقتصادية وسيطرح لاحقا موضوع مدى استمرارها مستقبلها ولا سيما منها الأجنبية الناشطة في تونس والتي اختارت بلادنا للعديد من المزايا لعلّ أبرزها تنافسية موقع تونس من حيث الأجور بالمقارنة مع العديد من الدول الأخرى.
المتأكّد أن تنافسية الاقتصاد الوطني في ظلّ تواصل الإضرابات بصفة عشوائية واعتباطية أصبحت على المحكّ ولا تحتمل الانتظار أو التهاون لأنّ في الحفاظ على التنافسية ضمان لمواطن الشغل وضمان لصيرورة مسار تنموي بأكمله وعليه فإن الحكومة المؤقتة مطالبة باتخاذ تدابير عاجلة من شأنها أن ترفع من الإنتاجية التي نزلت إلى أدنى مستوياتها منذ بداية العام ولو أنه المُلاحظ غياب تام لدراسات واستطلاعات الرأي بخصوص الإنتاجية في تونس بعد الثورة.
بالتوازي مع الاتفاق بشان الزيادة في الأجور فإن الحكومة مُطالبة من جانبها بسنّ تدابير جديدة في قانون المالية التكميلي لهذه السنة يتضمّن إجراءات جبائية وحوافز مالية لفائدة المؤسسات الاقتصادية التونسية والأجنبية تساعدها على تخطّي الظرف الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد وتأمين قدر أدنى من التنافسية.
|
م م |