تونس – بعض الدول تعاقب الميت المنتحر فما رأي القانون التونسي؟

تم مؤخرا الكشف عن أرقام ونسب مفزعة حول تطور حالات الانتحار ومحاولة الانتحار في تونس ما بعد نظام بن علي:
فقد أظهرت إحصائية حديثة أن حالات الانتحار ومحاولات الانتحار التي تم تسجيلها في بلادنا منذ بداية هذا العام حتى يوم 12 جوان الجاري بلغت 111 حالة منها 69 حالة حرقا أي ما نسبته 63 % من مجموع …



تونس – بعض الدول تعاقب الميت المنتحر فما رأي القانون التونسي؟

 

تم مؤخرا الكشف عن أرقام ونسب مفزعة حول تطور حالات الانتحار ومحاولة الانتحار في تونس ما بعد نظام بن علي:

فقد أظهرت إحصائية حديثة أن حالات الانتحار ومحاولات الانتحار التي تم تسجيلها في بلادنا منذ بداية هذا العام حتى يوم 12 جوان الجاري بلغت 111 حالة منها 69 حالة حرقا أي ما نسبته 63 % من مجموع المحاولات المذكورة .

ومعلوم أن ديننا الإسلامي يحرم الانتحار فقد قال الله تعالى: "وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا. وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [النساء: 29ـ 30]  

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَار جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ شَربَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَار جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَار جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا".

كما إن قتل النفس فعل منبوذ في القوانين الأخلاقية والاجتماعية فكيف تنظر إليه القوانين الوضعية في العالم عموما في تونس خصوصا ؟.

من الغرائب أن بعض القوانين في العالم تعاقب من يقبل على الانتحار سواء نجح في محاولته أو فشل ومثال ذلك القانون البريطاني المعمول به إلى اليوم (وهو قانون عرفي غير مدوّن) وكذلك القانون الفرنسي الذي ساد حتى اندلاع الثورة الفرنسية, وإذا كانت محاكمة من يفشل في الانتحار ممكنة عمليا فإن معاقبة من ينجح في ذلك أمر محير إذ كيف يمكن معاقبة الميت؟.

الإجابة بسيطة فالعقوبة التي أقرتها تلك القوانين لم تكن جسدية بل إنها تتمثل في مصادرة أموال الميت وكل ما يمكن أن يخلّد ذكراه والمغزى من ذلك (في نظر المشرعين) أن من استخف بحياته لا يستحق تخليده بعد مماته.

وقد حصل منعرج أول في تعامل المشرّعين مع ظاهرة الانتحار عندما تخلت أغلب القوانين في العالم عن معاقبة الميت وأصبحت تنص على معاقبة الشروع في الانتحار فقط وبهذا بات من يفشل في قتل نفسه معرضا للمحاكمة لعدة أسباب منها معاقبته على خطئه ومنعه من التفكير ثانية في قتل نفسه وحتى يكون عبرة لغيره لكن هذه الأفكار أتت بنتيجة عكسية.

فقد أصبح من يفكر في الانتحار يجتهد أكثر في ليضمن سبل النجاح حتى لا يكون عرضة للتتبع العدلي إذا ما فشل. ولهذا بدأ المشرعون يراجعون آراءهم حتى باتت جل القوانين في العالم لا تجرّم ولا تحرّم الانتحار ولا محاولة الانتحار وهو ما سار عليه القانون التونسي.

فمن يموت في تونس منتحرا لا جناح عليه (قانونيا) ومن يفشل في الانتحار يعالج جسديا وأحيانا نفسيا حتى لا يفكر في إعادة الكرّة. لكن القانون التونسي أقر عقوبة قاسية نسبيا لمن يعين غيره على الانتحار.

فقد نص الفصل 206 من المجلة الجزائية على أنه "يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام الإنسان الذي يعين قصدا غيره على قتل نفسه بنفسه".

وتتمثل هذه الإعانة في توفير وسيلة القتل او التحريض عليه أو تقديم النصيحة فيه أو عدم التدخل للحيلولة دون حصول الانتحار…

ولا يعتبر القانون التونسي شاذا في تجريم المساعدة على الانتحار سيما وأن العديد من الدول أقرت المنع ذاته مثل سوريا والمغرب والجزائر. ولكن دولا أخرى لم تنص في قوانينها على معاقبة من يعين على الانتحار مثل فرنسا ومصر…

عادل العبيدي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.