جددت كندا معارضتها إجراء انتخابات المجلس التأسيسي التونسي على أراضيها واضعة بذلك حاجزا متينا أمام تفاؤل الدبلوماسية التونسية بإمكانية تراجعها عن موقفا المفاجئ الذي أفصحت عنه الأسبوع الماضي. هذا التأكيد أتى على لسان …
تونس ـ بعد أن رفضت كندا إجراء انتخابات المجلس التأسيسي على أراضيها, ما هي خلفيات هذا القرار؟ وما هي الحلول الممكنةّ؟ |
جددت كندا معارضتها إجراء انتخابات المجلس التأسيسي التونسي على أراضيها واضعة بذلك حاجزا متينا أمام تفاؤل الدبلوماسية التونسية بإمكانية تراجعها عن موقفا المفاجئ الذي أفصحت عنه الأسبوع الماضي. هذا التأكيد أتى على لسان وزير الخارجية الكندي جون بايرد الخميس الماضي ما يطرح العديد من التساؤلات حول خلفية هذا القرار, وتوقيته, ومدى نجاح الدبلوماسية التونسية في إلغائه, بالإضافة إلى التساؤل حول الحلول الممكنة لتجاوز هذا الإشكال. لم تشهد علاقة تونس بكندا سابقا أي نوع من التوتر إذا ما استثنينا موضوع بلحسن الطرابلسي المطلوب للعدالة التونسية والذي لجأ إلى كندا بعد هروبه. فكندا كانت ولا تزال تصنف ضمن البلدان الصديقة لتونس.
وقد كانت من أوائل الدول التي باركت الثورة التونسية, لكنها قرارها القاضي برفض إجراء انتخابات المجلس التأسيسي على أراضيها كان مفاجئا ومحيرا سيما وأنه صدر قبل حوالي شهر من موعد الانتخابات (21 أكتوبر بالنسبة إلى التونسيين في الخارج) وبعد أكثر من شهرين عن تحديد موعد الانتخابات. فلماذا انتظرت كل هذا الوقت وما حجتها في الرفض؟
لكن هذا التبرير لم يقنع العديد من الملاحظين لأن كندا سمحت سابقا لجاليات العديد من البلدان (منها تونس) بإجراء الانتخابات على أرضها فما الذي تغير اليوم؟ ولماذا لم تعبر عن موقفها بمجرد الإعلان عن موعد الانتخابات التونسية؟ هذا المواطن سبق له أن ترشح لبعض الانتخابات الكندية بما أنه يتمتع أيضا بالجنسية الكندية فوجدت السلطات هناك نفسها في ورطة, فهي من جهة لا تستطيع منعه من خوض الانتخابات لأن الشروط القانونية متوفرة في ترشحه. وهي من جهة أخرى لم تهضم السماح لمواطن بخوض الانتخابات في دولتين مختلفتين على أرضها. فهذا تحديدا مأتى الحديث عن السيادة. ولكن هل تقدر تونس على منع قرار المنع. ورقة ضغط وحيدة
تمرر البلدان قراراتها ومواقفها وآراءها بناء على عدد أوراق الضغط التي تملكها وأيضا على قيمة تلك الأوراق فهناك من الدول من يستعمل حق الفيتو وهناك من يستند إلى قوته العسكرية أو الاقتصادية وهناك من يلجأ إلى موقعه الاستراتيجي وهناك من يلوذ بقدرته على التأثير في الدولة الأخرى فماذا تملك تونس من هذا كله؟ ورغم هذا فهي تمسك بورقة على قدر نسبي من الأهمية وهي ورقة أقرب إلى الإحراج منه إلى الضغط. تتمثل هذه الورقة في موقف كندا من الثورة التونسية. فهذه الثورة التي تراوحت تسميتها داخليا بين ثورة الياسمين وثورة الكرامة أخذت في الخارج بعدا آخر حتى باتت عنوانا لحق الشعوب في تقرير مصيرها بما يتناغم مع المبادئ السامية التي تروج لها الدول الغربية, ولهذا فإن كندا تجد نفسها في موقف محرج إذا صدت شعبا (مثل تونس) وحالت دون تطلعه إلى تحقيق تلك المبادئ السامية. والأكيد أن الطرفين التونسي والكندي يعلمان بقيمة هذه الورقة وتوقيت اللجوء إليها. ولكن ما العمل لو تمسكت كندا بوقفها؟ يقدر عدد التونسيين في كندا وفق بعض الإحصائيات بحوالي 75 ألف نسمة معظمهم في كيباك وهو رقم مؤثر, ولهذا تراوح الموقف التونسي (الدبلوماسي) بين محاولة إقناع الجانب الكندي وبين اقتراح الحلول مثل الاستعاضة عن مكاتب الانتخاب بالاقتراع داخل المقرات الدبلوماسية (السفارة والقنصليات). أما الموقف الكندي فقد تراوح حتى الساعة بين التمسك بالقرار وبين اقتراح حلول بديلة مثل الانتخاب بالمراسلة أو بالبريد الالكتروني على أن يتم وصف الناخب التونسي في كندا ب"الناخب الغائب" وهذا ما ترفضه تونس. الاتصالات بين الطرفين ومحاولات الإقناع متواصلة وقد ينتهي الطرفان منطقيا إلى الاتفاق حول تمكين التونسيين المقيمين في كندا من إجراء انتخابات المجلس التأسيسي التونسي داخل المقرات الدبلوماسية التونسية في كندا وهو الحل الأقرب للتحقيق. أما إذا تمسك الجانب الكندي بالرفض فقد يولد الأمر أزمة أو على الأقل برودا دبلوماسيا بين الطرفين فيما تتأثر الانتخابات برمتها.
|
عادل العبيدي |