كتب صديقنا مختار الخلفاوي مقالا جديدا بعنوان “بنادول لمحو الذنوب ” ونظرا لكثرة وجع الرأس هذه الأيام ومع تصاعد الحمى الانتخابية وكثرة الذنوب المسجلة لبعضهم إننا ننشر المقال تعميما للشفاء بمشيئة الله تعالى للجميع …
بـانــــــــادول …لـــمحو الذنـــــوب |
كتب صديقنا مختار الخلفاوي مقالا جديدا بعنوان "بنادول لمحو الذنوب " ونظرا لكثرة وجع الرأس هذه الأيام ومع تصاعد الحمى الانتخابية وكثرة الذنوب المسجلة لبعضهم إننا ننشر المقال تعميما للشفاء بمشيئة الله تعالى للجميع علبة صغيرة تبدو للوهلة الأولى وكأنّها علبة دواء للصداع، وتحمل اسما مشابها لعلاج الصداع الشهير. عندما تفتح العلبة لا تجد فيها حبّات البنادول، ولكنْ تجد وريقات مليئة بالأدعية والأذكار يدّعي مبتكروها من الخيّرين أنّها منجية من عقاب الله، والأهمّ أنّها توفّر طريقة استعمال ناجعة لمحو الذنوب. لا يهمّ من وراء الفكرة، ولا أين تُسوّق العلبة: هل في الدكاكين أم أمام المساجد، ولا عن موقف السلطات من هذا التحايل المأجور. ما يعنيني، الآن، هو ازدهار سوق تسطير الآثام ومحوها في هذا العالم العربيّ الغارق في الشعور بالذنب. شعور بالذنب كان الفيلسوف الألماني نيتشه قد شبّهه بشعور الدائن مع المدين. هذا البنادول الإسلامي الماحي للذنوب ليس إلاّ تنويعا معاصرا على بنادول قديم يُتَوسَّلُ به إلى محو الذنوب عبر التسبيح بالأنامل أو بالنوى والخرز المعروف بالسّبحة. وكم في السبحة من منحة ! يروي الجاحظ أنّ عبد الملك بن هلال الهنائيّ كان عنده زنبيل ملآن بالحصا. فكان يسبّح واحدة واحدة، فإذا ملّ شيئاً طرح ثنتين ثنتين ثم ثلاثاً ثلاثاً، فإذا ملَّ قبضةً قبضةً وقال: سبحان الله بعدد هذا. وإذا ملّ شيئاً قبض قبضتين وقال: سبحان الله بعدد هذا. فإذا ضجر أخذ بعروتيْ الزنبيل وقلبه وقال: الحمد لله بعدد هذا ! وإذا بكّر لحاجة لَحَظ الزنبيل وقال: الحمد لله بعدد ما فيه! ومَن يقبل التسبيح بالحصا جماعةً كان قد قبله تفاريق ! لَكَمْ تمنّيت لو امتلكت ناصية النفس ورباطة جأش الهنائيّ حين خصّني أحدُ إخوتي في اللّه ( !! ) برابط لموقع على الإنترنيت يزعم صاحبه أنّه كفيل بمَحو ما تقدّم من ذنوب المرء وما تأخّر في دقيقتيْن فقط لا غير. ولم ينس صاحبي – نظير هذه الهديّة – طلبَ الدعاء له ولوالديْه بأن يدخلهم اللّه فسيح جنّاته. ما إن نقرت على الرابط حتّى انفتحت أمامي نافذة تذكّرني بذنوبي الجمّة، وبأنّ أمامي فرصة التكفير عنها بل أمامي فرصة أن أعود كما ولدتني أمّي صفحة بيضاء ناصعة. وأُسْقِط في يدي، فقد استعملت معي النافذة إياها الترغيب مرّة والترهيب مرّات. ألقت عليّ تحيّة الإسلام وانتظرت ردّي عليها بمثلها أو بأحسنَ منها، فوافقتُ، ثمّ بلهجة آمرة قالت لي: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسَبوا. فأذعنتُ ووافقت. وطلبت منّي أن أحضر قلما وورقة، ففعلت. وعادت لتسألني إن أنا أحضرت ما طلبتْ. فأكّدتُ لها أنّي فعلت. وطلبت منّي أن أخطّ على الورقة كشفا بما فعلت طيلة يومي منذ استيقظت إلى وقت قراءة هذه الرسالة. وزادت فطلبت كتابة هذا الكشف بالتفصيل المملّ. فوافقت متظاهرا بأنّي فعلتُ. فمرّت إلى صميم الموضوع، وسألتني: هل صلّيت الفجر بمفردي أم في جماعة؟ ورغم أنّي حمدت الله أنّها لم تسألني إن كنت صلّيت الفجر أصلا، فقد بدأتُ أستثقل هذه الهديّة الصباحيّة السمجة التي وهبنيها أخٌ لم تلده أمّي. زاد قرفي، وبدأت أشعر أنّي وقعت في ورطة حقيقيّة حين سألتني النافذة المحتسِبة: كم أغنية سمعتها؟ هممتٌ بإغلاقها، فأبت. أردت التراجع عن الصفحة المشؤومة فامتنع الأمر. تيقّنت أنّي بين نابيْ أسد. لا أقدر على التراجع، وليس أمامي إلاّ التقدّم والإجابة. وتذكّرت سؤال ابن زياد: أين المفرّ؟ واصلتُ مرغما النقر على خانة الموافقة عسى أن ينجلي هذا الكرب: كم واحدا اغتبتَ، وكم واحدا سببتَ؟ وهل نظرتَ إلى "حرمة"؟؟ وهل، وهلْ.. وفي كلّ مرّة تذكّرني نافذتي الورعة بأنّ عليّ الإجابة بوضوح وتفصيل إن أنا راغب في محو ذنوبي الكثيرة حتّى ولو كانت مثل زبد البحر ! خِلت أنّ شدّتي انفرجت وأنّ بإمكاني العودة إلى عملي المعلّق منذ أن فتحت الرسالة المشؤومة. ولكنّ نافذتي الورعة قالت لي: إذنْ، قل معي سبحان الله وبحمده. وثنّت: هل قلتها؟ وافقتُ ضَجِرا. فقالت: طيّب. أعِدْها. وصرت أوافق على تسبيح النافذة، وأنقر على الموافقة حتّى أدركت العشرين نقرة ( يقرؤها أخي في اللّه تسبيحة ). بعدها قالت لي مطمئنةً: لم يبق شيء كبير. ثمانون تسبيحة حتّى تدرك المائة. واعتراني دوار وقرف، وقلت إنّ هذا خطب يطمّ وأمر لا يتمّ. ولكنّني مكره لا بطل. فقد نقرتُ على لفظ التسبيح ما بقي من المائة واحدة واحدةً فثنتيْن ثنتيْن، فثلاثا ثلاثا، ثمّ صرت أوالي بين النقر والرفع سريعا حتّى أدركت…الثمانين……ثمّ التسعين ….فالمائة، وأنا ألعن أخي في اللّه الذي حمّلني ذنوب الأنام بهذه المحنة الثقيلة الدم. ولمّا فرغت من التسبيح، قالت لي النافذة: ماذا عليك لو سبحت كلّ ليلة قبل أن تنام مائة مرّة؟ بل ماذا عليك لو أنت بعثتَ الرابط إلى إخوتك في اللّه – والدالّ على الخير كفاعله- كم من الحسنات ستجتمع لديك، إذا كنت ستربح حسناتِ مَن تبعكَ لا تنقص أو تزيد كما قال حديث صحيح مائة بالمائة (وهذه صيغة جديدة أفدتها من الصفحة إيّاها تنضاف إلى جهاز علوم الحديث وإلى علم الجرح والتعديل خاصّة). وعوض أن أنشغل بحساب مليارات الحسنات التي ستنوبني إن أنا بعثت بهذه الرسالة إلى كلّ من أعرف، فإنّي رحت ألعن صاحب الصفحة المشؤومة وأخي في اللّه الذي نكّد يومي. ولكنّني آليت على نفسي أن أهدي هذه اللّقية مَن أستثقل من الأصدقاء، عسى أن أمتحن صبره على مثل هذا البلاء !
|
|