في منوبة فتنة ما بين مؤيد للنقاب ومعارض، هذا يتعلل بحرمة الجسد وذاك يتعذر بحرمة الجامعة… هذا يعتصم وذاك يرد بالاعتصام… هذا يجند مسانديه وذاك يصف مناصريه… هذا يرفض التنازل، وذاك يأبى التراجع. نحن أمام تصادم خطير فما هي خلفياته؟ وما سر تصلب كل شق في موقفه؟
تونس ــ سرّ التصادم بين مؤيدي النقاب ومعارضيه |
في منوبة فتنة ما بين مؤيد للنقاب ومعارض، هذا يتعلل بحرمة الجسد وذاك يتعذر بحرمة الجامعة… هذا يعتصم وذاك يرد بالاعتصام… هذا يجند مسانديه وذاك يصف مناصريه… هذا يرفض التنازل، وذاك يأبى التراجع. نحن أمام تصادم خطير فما هي خلفياته؟ وما سر تصلب كل شق في موقفه؟ ويتخذ النقاب في العادة الألوان الداكنة رغم شيوع الأسود منها كما يتخذ العديد من الأشكال فبعضه يغطي الوجه كله حتى العينين وبعضه يغطي الوجه إلا العينين وبعضه (وهذا شاذ يغطي إحدى العينين دون الأخرى) وبهذا يختلف النقاب عموما عن الخمار الذي يغطي الرأس وسائر الجسد دون أن يغطى الوجه. وقد كان النقاب محل خلاف بين الأيمة والمفسرين وأصحاب المذاهب فبعضهم رآه فريضة على كل مسلمة مثل أبو حنيفة والشافعي وابن حنبل فيما حدد الإمام مالك أوجه استعماله لكن عددا كبيرا من العلماء عارض استعماله ورآه مجرد بدعة. ويعتبر النقاب دخيلا على المجتمع التونسي حيث يسود المذهب المالكي وقد اعتبره النظام البورقيبي ومن بعده نظام بن علي زيا طائفيا فحارباه لكن نجاح الثورة التونسية ساهم في بروزه فلم يثر أي إشكال في الشارع غير أنه أوجد ردود فعل متضاربة في المؤسسات التعليمية وخاصة منها الجامعات فما مرد ذلك. يبدو لنا أن هناك فارقا مهما بين ما يحدث داخل أسوار الجامعة وبين ما يجري خارجها فالمنقبة تنطلق من مبدأ حقوقي في اعتماد النقاب وهو حريتها الشخصية وحقها في ارتداء ما تراه صالحا ما لم يلحق الأذى بغيرها لكن المعارضين (من الأساتذة والعمداء والإداريين) يلحون على ضرورة تبين ملامح جميع الطلبة دون استثناء داخل قاعة الدرس وخاصة داخل قاعة الامتحان اجتنابا للغش. هذا الخلاف (الداخلي) وجد صداه خارج أسوار الجامعة لأسباب تتعلق بالهوية فمؤيدو النقاب تجاوزوا المبادئ الحقوقية ليركزوا على هوية البلاد الإسلامية فتونس ــ في قراءتهم ــ دولة إسلامية لا يجوز فيها منع ما يفرضه الإسلام ويصرون على أن الثورة كانت ضد القهر والاستبداد ولا يجوز بالتالي الالتفاف عليها. أما المعارضون فيرون في النقاب ضربا لقيم الحداثة والتفتح التي تركزت في تونس ورجوعا إلى الأزمنة السالفة كما يؤكدون أنه لم يكن قط موروثا تونسيا أي لم تعرفه المرأة التونسية على اختلاف الحضارات التي تعاقبت على بلادنا بل تم توريده من البلدان المتشددة في اعتناق الإسلام ذي المبادئ السمحة. لهذا كله لم يكن للعديد من المعتصمين في جامعة منوبة (نصرة للمنقبات) أي علاقة بالدراسة فيما لم تكن للعديد من المعتصمين خارجها (اعتراضا على النقاب) أي علاقة بالجامعة. وقد كان بالإمكان احتواء هذا الخلاف والوصول إلى حل توفيقي لكن ذلك تعذر لسببين حسب رأينا أولهما تناغما ما جلسات المجلي الوطني التأسيسي حيث يتواصل التناقش حول الهوية والمبادئ العامة، وثانيهما إيمان كل طرف بعدم إمكانية التساهل في المواقف على الأقل في هذا الظرف الزمني لأن ذلك يسمح للخصم بتسجيل نقاط مهمة يستثمرها مستقبلا. فمؤيدو النقاب يرون أن تنازلهم حاليا قد يعطي الفرصة لخصومهم ليمنعوا عنهم حقوقا أخرى مثل ارتداء الحجاب وإقامة الصلاة داخل المؤسسات التربوية والإدارات العمومية…
أما المعارضون فيخشون أن يصبح النقاب فرضا على جميع الفتيات والنساء وأن يصبح إطلاق اللحية واجبا وأن يصبح التونسي مقيدا بقيود إسلامية ما أنزل الله بها من سلطان ولم تفرضها غير القراءات الخاطئة للإسلام.
نحن إذن أمام تصادم ذي صبغة وجودية أكثر منها دينية ولا يمكن تجاوزه إلا إذا تجاوز الطرفان أزمة الثقة القائمة بينهما واحترم كل طرف قناعات الطرف الآخر
|
عادل العبيدي
|