كنّا نعتقد أنّ خفّة الظلّ موقوفة على ظراف الشيوخ الذين نزورهم، من وقت لوقت، حتّى انتهت بنا سياحتنا على “النات” إلى مضارب قوم يشفون من الكمد والماليخوليا، ويخرج المرء من حِماهم هشّا بشّا، ثمّ لا ينفطم عن معاودة الكرّة بزيارتهم على موقع شبكتهم الغرّاء: شبكة الجنّ والعفاريت الإسلاميّة…
جنّ وعفاريت: هل تصلح الرقية الشرعيّة دواءً لأمراض المرحلة الانتقاليّة؟ |
كنّا نعتقد أنّ خفّة الظلّ موقوفة على ظراف الشيوخ الذين نزورهم، من وقت لوقت، حتّى انتهت بنا سياحتنا على "النات" إلى مضارب قوم يشفون من الكمد والماليخوليا، ويخرج المرء من حِماهم هشّا بشّا، ثمّ لا ينفطم عن معاودة الكرّة بزيارتهم على موقع شبكتهم الغرّاء: شبكة الجنّ والعفاريت الإسلاميّة . وللتوضيح فالصفة، هنا، تجوز للشبكة كما تجوز للجنّ والعفاريت ! وعلى غير عادتنا في هذه الورقة من بنات الأفكار، نقْدِم على نشر دعاية مجّانيّة لهذا الموقع الشافي الكافي، وفي البال أنّ المرء بحاجة، دوما، إلى شيء من الكوميديا السوداء علّه يتداوى بها من الضيق والقرف والملل والسماجة والتكرار . "شبكة الجنّ والعفاريت الإسلاميّة للرقية الشرعيّة هي موقع إسلامي عربيّ بالكامل ( يعني أنّ كوادر الشبكة الغرّاء هم من العرب العاربة أو العرب الأقحاح )…هدفه نشر الوعي والثقافة في وطننا العربيّ والإسلاميّ حول أمراض وعلاج حالات السحر والعين والحسد بشكل خاص والأمراض الأخرى بشكل عام ( لا تدخل في هذه الأمراض الأخرى أمراض من نوع التخلّف، والجهل، والشعوذة، والخرافة ). يضمّ الموقع موسوعة كبيرة من المقالات العربية ( أين منها مقالات الموسوعة الكونيّة أو دائرة المعارف الإسلاميّة أو الأنكرتا وغيرها..) والمقاطع الصوتية المفيدة خصوصاً في مجال أمراض السحر والعين والحسد التي يحدثها الجان بجسد الإنسان، وتوفير عدد كبير من الصور التوضيحيّة وبترتيب منسّق. تستضيف "شبكة الجن والعفاريت" عدداً من الرّقاة المتخصّصين والمشائخ وطلبة العلم والأطبّاء في تخصّصات متفرّقة ومتعدّدة للردّ على استشارات الأعضاء والزوّار، ونشر الوعي ( تقرأ العِيّ أيضا ) في أوساط المجتمع ويسعى، دوماً، إلى استضافة المزيد من العلماء والمشائخ والرقاة والتعاون معهم .." الموقع الذي يؤتى من بلاد بعيدة ولا ريب، يعرض انتداب مزيد من الكوادر المؤهّلة والمدرّبة على أنْ لا تقلّ المؤهّلات عن شهادة الثانويّة العامّة (ما يعادل البكالوريا)، مع أفضليّة تُمْنَح لذوي المؤهّلات الجامعيّة في تخصّصات الصحافة والإعلام والعلاقات العامّة، وأولويّة تُعطى لخرّيجي كلّيات الطبّ والصيدلة والدراسات الإسلاميّة. الرواتب مجزية، وساعات العمل أربع ما عدا الجمعة باعتباره يوم مسجد ونساء كما جاء في صِفة الأيّام ! وفي الوقت الذي خلت فيه قائمة أفضل خمسمائة جامعة على مستوى العالم كلّه من ذكر أيّة جامعة عربيّة، لا نستغرب أن يعدّ العالم العربيّ، اليوم، أكثر من ربع مليون دجّال يمارس الشعوذة بطرق "شرعيّة" ورسميّة. ولا نعجب لحجم الإنفاق على السحر والخرافات والرقى التي تفوق الخمسة مليار دولار سنويّا، ولا لاعتماد كثير من الفضائيّات والصحف على عائدات الإشهار لهؤلاء الدجّالين والمشعوذين، ولا للرحال تشدّ من الدول النفطيّة للالتقاء بالشيوخ المقدّمين في الصناعة . لا، ولن نستغرب إن طلع علينا مثل ذلك القياديّ في حزب النور السلفي المصريّ، مستعيدا، فيما يبدو، إشاراتٍ ربّانيّةً تونسيّة، ليصرّح، بكلّ ثقة، بأنّ الله تعالى قد أخبر في كتابه الكريم عن نتائج انتخابات مصر، وأنّ "مبارك" هو فرعون الذي علا في الأرض، وجعل أهلها شيَعًا يستضعف طائفة منهم. ولم يساوره أدنى شكّ في أنّ الانتخابات التي آلت إلى تقدّم الإسلاميّين في تونس والمغرب ومصر هي مصداق للآية الكريمة التي تقول "ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثين " !
مادام لمواقع الجنّ والعفاريت والخرافة والشعوذة مموّلون وبضاعة وسوق رائجة ومستفيدون، فلن نستغرب أن نرى العدوى تنتقل إلى السياسة، وينقلب الساسة الجُدُدُ إلى رُقَاة شرعيّين، والرقية سوقها مزدهرة، والطلب عليها شديد في مجتمعات يعذّبها الإحساس بالمهانة الوطنيّة والهزيمة الحضاريّة، وتُغْرقها مشاعر الخطيئة والآثام . في خبر ضاحك باك، دفع رجلُ أعمال خليجيّ آلاف الدولارات مقابل خنفس باعه إيّاه مشعوذٌ مغربيٌّ ماكر. ولم يشكّ الشاري المغبون، لحظةً، في أنّه قد اشترى خادما جنّيا، ولكنْ في هيئة خنفساء، لا لشيء إلاّ ليتسنّى حمله في الطائرة دون أن يثير انتباه الأمن وشُرَط المطار ! بين يديْ شبكة للجنّ والعفاريت تنطبق على ساكنة هذا الشرق المتوسّط، أسأل: هل تصلح الرقية الشرعيّة دواءً لأمراض المرحلة الانتقاليّة؟
|
|