بعث الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي بإشارات كثيرة في كلمته الأخيرة إلى رجال الأعمال في مقر منظمة الأعراف بالعاصمة غير أن أهم ما جاء في تلك الإشارات تردد صداه بقوة في مدينة طبرقة أين يستعد الاتحاد العام التونسي للشغل …
صراع السلطة واتحاد الشغل: حذار من “خميس أسود” جديد في البلاد! |
بعث الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي بإشارات كثيرة في كلمته الأخيرة إلى رجال الأعمال في مقر منظمة الأعراف بالعاصمة غير أن أهم ما جاء في تلك الإشارات تردد صداه بقوة في مدينة طبرقة أين يستعد الاتحاد العام التونسي للشغل لعقد مؤتمره لانتخاب أعضاء مكتبه التنفيذي. ووجه المرزوقي في كلمته تحذيرا مبطنا إلى ممثلي الطبقة الشغيلة والهيئات النقابية، وخيرهم بين قبول لغة "الاستلطاف أو تحكيم علوية القانون" في إشارة إلى حملة الإضرابات والإعتصامات التي تهدد بشل الاقتصاد وتغذية الاضطرابات الاجتماعية. وينتظر الملاحظون من الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يعقد مؤتمره في مرحلة مفصلية من تاريخه النضالي المتأرجح، كيف سيرد هذه المرة على رسالة المرزوقي الثانية في ظل تصاعد التجاذبات السياسية من حوله. وكانت رسالة المرزوقي الأولى عندما طالب فور استلامه لمنصب الرئاسة بـ"هدنة اجتماعية" حتى تلتقط مؤسسات الدولة أنفاسها وتشرع الحكومة الوليدة في إعادة بناء الاقتصاد والإنطلاق في برامج التنمية. غير أنه وبمجرد انتهائه من خطابه الأول حتى علت أصوات المعتصمين في مختلف الولايات ليصل صداها بسرعة إلى قصر قرطاج وقبة التأسيسي. ولم يوجه ممثلو السلطات الانتقالية اتهامات صريحة إلى أي جهة نقابية بتحريك تلك الاحتجاجات ولكن يعتقد على نطاق واسع أن البلاد تشهد اليوم "حربا باردة" بين قطبي الاتحاد والسلطة تذكر بصدامات عقدي الستينات والسبعينات. وعلى بعد أسابيع قليلة من ذكرى أحداث 26 جانفي 1978، أحد أحلك الأيام في تاريخ البلاد بعد الاستقلال، يخشى السياسيون المخصرمون انزلاق البلاد إلى نفس المآزق السياسية والاجتماعية لتلك الفترة خاصة مع توفر نفس الأسباب والظروف المشابهة للأحداث الماضية. وشهد يوم 26 جانفي من عام 1978، أو ما بات يعرف في يوميات السياسة التونسية بـ"الخميس الأسود"، انفجارا اجتماعيا انتهى بمواجهات دامية بين قوات الأمن والمتظاهرين من العمال والنقابيين على خلفية تردي الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية إضافة إلى انسداد الحياة السياسية وخنق الحريات العامة من قبل الحزب الإشتراكي الدستوري الحاكم. وأدت تلك الأحداث التي شهدت نزول الجيش إلى الشوارع لأول مرة للتدخل، سقوط المئات من القتلى والجرحى تفوق أعدادهم شهداء وجرحى ثورة 17 ديسمبر 2010. وعلى الرغم من أن كابوس "الخميس الأسود" يظل مستبعدا في الوقت الراهن إلا أن توفر شروط الانفجار تظل كامنة. إذ يخشى أن يؤدي فشل الحكومة الجديدة في حلحلة الأوضاع الاجتماعية المتردية خلال مهلة الستة أشهر التي وعد بها الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي إلى تصعيد خطير قد يهدد كيان الدولة برمته. ويذكر السياسيون المخصرمون كيف أدى فشل خطة التنمية الليبرالية المتبعة من قبل حكومة الهادي نويرة خلال عقد السبعينات في تحقيق مشروع "المجتمع الوسط" و"العدالة الاجتماعية" إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية التي سرعان ما تحولت إلى أزمة عامة اجتماعية، ذات أبعاد سياسية في جوهرها. كما أن طبيعة حكم الأغلبية اليوم بقيادة حركة النهضة، الطرف المحوري في الائتلاف الحاكم، ستكون على المحك وقد يعطي أي انطباع لانحرافها عن الميثاق الديمقراطي كالتضييق على الحريات وعلى العمل النقابي مبررا إضافيا للسعي إلى قلب الطاولة على الحكام الجدد. وعلى مدى عقود طويلة ظل الاتحاد العام التونسي للشغل يمارس دورا سياسيا بامتياز وعن جدارة بالنظر إلى دوره الحاسم في مرحلة النضال الوطني ضد المستعمر وحتى في مرحلة النظام البورقيبي. غير أنه ومنذ سقوط نظام بن علي طرحت النخبة السياسية أسئلة كثيرة حول ما إذا كان من المناسب احتفاظ المنظمة العمالية العريقة بدورها السياسي، رغم حالة الجمود التي عرفتها في حكم بن علي، وما اذا كان يفترض تحييد المنظمة في ظل الإنفتاح السياسي والتعددية والانتقال الديمقراطي بعد تاريخ 14 جانفي. وبالفعل فقد عززت المناوشات القضائية بحق أمين عام الاتحاد عبد السلام جراد بعد الثورة حول تهم الفساد والتواطئ مع نظام بن علي الديكتاتوري الشعور العام باتجاه البلاد نحو صراع قطبين قد يدفع ثمنه في النهاية الجميع.
وبالمثل جاءت موجة الاعتصامات المتزامنة بعدد من الولايات وما أدت إليه من تعطيل للتزود ببعض المواد الحيوية وانسحابات متتالية للشركات الأجنبية لتبعث برسائل قوية للحكام الجدد بشأن طبيعة الأدوار وتقاسم النفوذ داخل المشهد السياسي الجديد. وأمام كل هذه التجاذبات التي تنذر بعواقب وخيمة في حال اتخاذها لنسق تصاعدي فإن المواطن التونسي ما فتئ يسأل إن كان هناك مشروع خطة "ب" تكون بمثابة قشة النجاة في الأخير إذا ما ظل المتصارعون مصرين على الانتحار الجماعي.
|
طارق القيزاني |