قررت النيابة العمومية بابتدائية تونس إحالة مختطفة الرضيعة “لينا كرير” على قاضي التحقيق، ما يعني أن النيابة قد كيفت فعلتها (مبدئيا) على أنها ذات صبغة جنائية. فأي مصير ينتظرها بعد أن جعلت أغلب التونسيين المتابعين للقضية يشجبون تصرفها …
تونس ـ جدل قانوني بشأن العقوبة المنتظرة لمختطفة الرضيعة لينا |
قررت النيابة العمومية بابتدائية تونس إحالة مختطفة الرضيعة "لينا كرير" على قاضي التحقيق، ما يعني أن النيابة قد كيفت فعلتها (مبدئيا) على أنها ذات صبغة جنائية. فأي مصير ينتظرها بعد أن جعلت أغلب التونسيين المتابعين للقضية يشجبون تصرفها ويتعاطفون مع الرضيعة وأسرتها؟ ما يمكن ملاحظته بداية أن القضية كانت أثارت تعاطف الشارع التونسي مع والدة الرضيعة المختطفة من مستشفى الأطفال بباب سعدون بالنظر إلى خطورتها وطابعها غير أن بعض المعلومات التي تسربت حول دوافع الجريمة وضعت كذلك المتهمة في موقع الشفقة. وكانت الوقائع انطلقت بإقدام المتهمة على اختطاف رضيعة منتصف نهار الثلاثاء الماضي من مستشفى الأطفال بباب سعدون حيث كانت تتلقى العلاج. وحسب بعض المصادر فإن المتهمة استغلت غياب الحراسة فأخذت الرضيعة وغادرت إلى وجهة غير معلومة ولم يتم التفطن إلى فعلتها إلا بعد أن قدمت والدتها لزيارتها. وقد تجند أعوان الأمن وحتى المواطنون العاديون للبحث عن المخطوفة وتقصي أخبار خاطفتها التي وجدت نفسها محاصرة فخيرت تسليم نفسها لأعوان الأمن وإعادة الرضيعة والاعتراف بفعلتها مما يجعلها مبدئيا تحت أحكام الفصل 237 أو الفصل 238 من القانون الجنائي وسنستعرض نص الفصلين لنلاحظ الفرق بينهما. الفرق في عنصر التشديد ينص الفصل 237 (المنقح بالقانون عدد 93 لسنة 1995 المؤرخ في 9 نوفمبر 1995) على انه "يعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام كل من يختطف أو يعمل على اختطاف شخص أو يجره أو يحول وجهته أو نقله أو يعمل على جره أو على تحويل وجهته أو نقله من المكان الذي كان به وذلك باستعمال الحيلة أو العنف أو التهديد". لكن الفقرة الثانية من هذا الفصل تنص على رفع "العقاب إلى عشرين عاما إذا كان هذا الشخص المختطف أو الواقع تحويل وجهته موظفا أو عضوا في السلك الدبلوماسي أو القنصلي أو فردا من أفراد عائلتهم أو طفلا سنه دون الثمانية عشر عاما". وفي هذا الفصل تهمنا الفقرة الثانية منه لأن عمر المخطوفة يقل عن 18 سنة. أما الفصل 238 (المنقح بالقانون عدد 93 لسنة 1995 المؤرخ في 9 نوفمبر 1995) فيبدو أرحم من سابقه لأنه ينص على عقوبة بالسجن مدة عامين فقط ل"كل من (بدون حيلة ولا عنف ولا تهديد) يختلس أو ينقل إنسانا من المكان الذي وضعه به أولياؤه أو من أنيط حفظه أو نظره بعهدتهم. ويرفع العقاب إلى ثلاثة أعوام سجنا إذا كان الطفل الواقع الفرار به يتراوح سنه بين ثلاثة عشر عاما وثمانية عشر عاما. ويرفع العقاب إلى خمسة أعوام إذا كان سن الطفل الواقع الفرار به دون الثلاثة عشر عاما…" يبدو للوهلة الأولى أن الفصلين 237 و238 ينطبقان على حالة الصغيرة لينا لكن جزئية مهمة تفرق بينهما وهي مدى توفر عنصر الحيلة (في غياب عنصري التشديد الآخرين وهما العنف والتهديد) فإذا توفر عنصر الحيلة يكون الفصل 237 أولى من الفصل 238 والعكس بالعكس، ولهذا قد تشهد محاكمة المتهمة جدالا قانونيا بين لسان الدفاع والنيابة العمومية حول مدى توفر الحيلة باعتبارها ركن تشديد. التخفيف ممكن والنجاة واردة حدد الفصلان سابقا الذكر عقوبات معينة لكن القانون التونسي لا يفرض على هيئة المحكمة التقيد بها بل يسمح لها بأن تحط من العقاب درجة واحدة أو درجتين إذا اقتنعت بتوفر ما يدعو للتخفيف من العقوبة القصوى، وسيكون للسان الدفاع دور كبير في إثبات جدارة منوبته بالتخفيف مثل التطرق إلى نقاء سوابقها العدلية وتسليمها نفسها بعد شعورها بالذنب واجتهادها في رعاية المخطوفة وعدم إلحاق الأذى بها بالإضافة إلى تركيزه على دوافع الجريمة أو على الأقل الظروف التي أحاطت بارتكابها. فالمتهمة فقدت رضيعتها خلال شهر سبتمبر الماضي ولم تصدق أنها فقدتها نتيجة تأجج عاطفة الأمومة فيها فكان تصرفها (غير السليم) استجابة لتلك العاطفة. ومع هذا قد يجتهد لسان الدفاع في إقناع أسرة لينا بإسقاط حقها في التتبع العدلي لكن الجدير بالملاحظة أن إسقاط المتضرر حقه لا يوقف التتبع في مثل هذه القضايا لأن الأمر لا يهمه لوحده بل يهم معه الحق العام الذي تمثله النيابة العمومية. والمعلوم أن النيابة العمومية تتمسك دائما بالمحاكمة وتنفيذ القانون لكن إسقاط الطرف المتضرر حقه في التتبع ينفع المتهم أو المتهمة في التخفيف من العقاب. ومع ذلك فإن إمكانية الحكم بعدم سماع الدعوى في هذه القضية غير مستبعد للأسباب التالية: يمكن تصنيف جريمة الاختطاف ضمن الجرائم القصدية أي الجرائم التي يرتكبها المذنب وهو في كامل مداركه العقلية فيكون مدركا لتصرفه وعواقبه لحظة ارتكاب الجريمة فهل كانت المتهمة كذلك عندما ارتكبت فعلتها؟ لا يمكن توفر اجابة قاطعة على هذا السؤال. إذ يبقى الأمر حكرا على الأطباء فقط متى رأت أطراف القضية فائدة في اللجوء إليهم.
|
عادل العبيد |