التحويلات الاجتماعية تستأثر بـ68% من ميزانية تونس لسنة 2012

أثارت ثورة 14 جانفي 2011 جملة من المفاهيم والمبادئ السائدة في العهد السابق ولا سيما منها المتصلة بالمقاربة الاجتماعية المعتمدة والأنموذج التنموي ومنه بالتحديد المعالجة الاجتماعية للعديد من المسائل المطروحة والتي تفاقمت …



التحويلات الاجتماعية تستأثر بـ68% من ميزانية تونس لسنة 2012

 

أثارت ثورة 14 جانفي 2011 جملة من المفاهيم والمبادئ السائدة في العهد السابق ولا سيما منها المتصلة بالمقاربة الاجتماعية المعتمدة والأنموذج التنموي ومنه بالتحديد المعالجة الاجتماعية للعديد من المسائل المطروحة والتي تفاقمت من سنة إلى أخرى إلى أن أصبحت قنبلة موقوتة انفجرت في أحداث ديسمبر 2010 وجانفي 2011 بعد ارتفاع الفوارق الاجتماعية بشكل صارخ ومفضوح من ذلك تزايد أعداد العائلات المعوزة وتنامي نسبة البطالة.

ومن ضمن المواضيع التي سعى موقع المصدر إلى طرحها تلك المتصلة بالمقاربة الاجتماعية في تونس، وهي مسألة التحويلات الاجتماعية.

وقد التقى المصدر بالخبير المنصف اليوزباشي الذي عرّف التحويلات الاجتماعية على أنها مختلف التدخلات ذات الطابع الاجتماعي التي تقوم بها الدولة والهياكل العمومية لفائدة المواطن.

وتُموّل هذه التحويلات بواسطة الموارد التي يتمّ اقتطاعها من المداخيل والعائدات والخيرات قصد توظيفها وإعادة توزيعها بين الفئات والجهات المستهدفة لتغطية طلب اجتماعي متنوع وذلك وفقا للسياسات المرسومة والبرامج المضبوطة في الإستراتيجية التنموية.

وتكتسي هذه التحويلات أشكالا متعددة مها بالخصوص الخدمات المجانية وشبه المجانية التي تسديها الدولة في مجالات التربية والتعليم والصحة والتكوين وتوفير بعض التجهيزات والمرافق أو المساهمة في إنجازها مثل التنوير الريفي وتقديم لمساعدات العينية والنقدية المباشرة على غرار المنح المسداة لفائدة العائلات المعوزة ومحدودة الدخل.

إلى جانب ذلك دعم بعض المواد الأساسية بتغطية الفارق بين السعر الحقيقي لهذه المواد وسعر البيع العمومي وكذلك المنافع الاجتماعية التي تسديها أجهزة الضمان الاجتماعي لمنخرطيها وأولي الحق منهم كالجرايات والمنح العائلية.

ولاحظ محدثنا أن التحويلات الاجتماعية هي عبارة عن التوزيع العادل للثروة في إطار ضمان المساواة في الانتفاع بالثروة الوطنية.

غير أن السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح هو هل أن التوزيع للثروة كان عادلا في العهد السابق؟ إجابة عن هذه السؤال شدّد السيد منصف اليوزباشي أنه بصفة عامة في مختلف دول العالم يتم استعمال مؤشر علمي لقيس التوزيع العادل للثروة وهو مؤشر(GINé ) من صفر(0) إلى واحد(1) وعندما يكون المؤشر عند 0 فإن التوزيع يكون عادلا و مثاليا، في حين عندما يكون المؤشر في مستوى 1 فإن التوزيع غير عادل.

وتوجد أعلى مستويات التوزيع العادل للثروة في العالم في الدول الاسكندينافية (0.2) أما بالنسبة إلى تونس فإن مؤشرها في سنة 2010 وصل إلى مستوى 0.4 .

وأكد الخبير أنه رغم أن هذا المؤشّر يعتبر إيجابيا، فإنه لم يكن بصفة متوازنة وعادلة بدليل أن الثورة في تونس قامت على الكرامة والحق في الحصول على التشغيل وتنمية المناطق المحرومة والشريط الوسيط في المناطق الداخلية والأقل حظاّ في التنمية.

وأبرز أن مجمل البرامج المعتمدة في السابق لم تأخذ في الاعتبار التدخل المباشر(micro intervention ) أي التركيز على المتابعة الدقيقة واللصيقة للمعنيين بل كان التدخل بشكل إجمالي بشكل أعاق وصول البرامج المتخذة مباشرة للمناطق المستهدفة.

وذكر أن قيمة التحويلات الاجتماعية في ميزانية الدولة لسنة 2011 التي تمت المصادقة عليها قبل الثورة بلغت 13 ألف مليون دينار وهو ما يمثل 68% من ميزانية الدولة و19% من الناتج المحلي الداخلي وتخصيص 1500 مليون دينار لدعم المواد الأساسية.

وبيّن أنه بعد الثورة برز بالكاشف أن قيمة هذه التحويلات غير كافية  ومن الضروري الأخذ بعين الاعتبار هذا الجانب عند إعداد الميزانية الجديدة وقانون المالية التكميلي، مشيرا إلى أن العديد من البرامج التي تم إقرارها بعد الثورة تنخرط بشكل غير مباشر في تعزيز التدخلات والتحويلات الاجتماعية.

ومن بين تلك التدخلات إقرار برنامج "أمل" في مجال التشغيل لمساعدة 200 حامل شهادة عليا على الحصول على منحة بقيمة 200 دينار للبحث النشيط عن شغل والترفيع في عدد العائلات المعوزة لتبلغ 185 ألف مقابل 130 ألف عائلة  مع الترفيع في قيمة المنحة لتصل إلى 70 دينارا في الشهر مقابل 210 دنانير كل ثلاثة أشهر في السابق.

علاوة على عدم إقرار تعديلات على الأسعار المدعمة لحماية الفئات الهشة والضعيفة، مع إعادة النظر في مقاربة التنمية الجهوية بتوجيه العديد من البرامج في مجال البنية التحتية والمرافق العامة وتعزيز الجانب الصحي بتعزيز طب الاختصاص، مبيّنا أن مجمل هذه البرامج الجديدة ستُحدث ضغطا إضافيا على ميزانية الدولة.

 

ولاحظ في هذا الصدد أن ميزانية الدولة لسنة 2012 وازنت بين البعد الاجتماعي والبعد الاقتصادي حيث يستأثر القطاع الاجتماعي بالمناب الأوفر بحوالي 68% من الاعتمادات الموزعة لنفقات التصرف.

وأفاد أن النفقات الجملية لسنة 2012 دون اعتبار القروض تُقدّر بما قدره 22810 مليون دينار مقابل 21330 مليون دينار مرسمة بقانون المالية التكميلي لسنة 2011 أي بزادة قدرها 1480 مليون دينار.

وأبرز أنه قد تمّ ضبط هذه التقديرات على أساس عدد من الإجراءات الاجتماعية من ذلك المحافظة على نفس مستوى أسعار بيع المواد الأساسية، مما استوجب ترسيم مبلغ 1200 مليون دينار بعنوان دعم هذه المواد بالإضافة إلى الترفيع في مساهمة الصندوق الوطني للتأمين على المرض في تغطية نفقات علاج منظوريه بالمؤسسات الصحية العاملة بنظام الفوترة من 338 إلى 388 مليون دينار في 2012.

وشدد في نهاية حديثه على ضرورة أن تكون التحويلات الاجتماعية في تونس محورا قارا في كل البرامج الاقتصادية والاجتماعية باعتبارها تعكس العدالة الاجتماعية الحقة ودرع يقي البلاد من تداعيات جديدة.

 

م.ز

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.