“من السّذاجة إرادة تغيير العالم لكن من الإجرام عدم المحاولة” بهذا صدّر الدكتور منصف المرزوقي كتابه القديم/ الجديد “هل نحن أهل للديمقرراطيّة؟”…
رئيس الجمهوريّة يسأل مرة أخرى: هل نحن أهل للدّيمقراطيّة؟
"من السّذاجة إرادة تغيير العالم لكن من الإجرام عدم المحاولة" بهذا صدّر الدكتور منصف المرزوقي كتابه القديم/ الجديد "هل نحن أهل للديمقرراطيّة؟".
هو قديم لأنّه كُتب سنة 2001، وهو جديد لأنّه أصدره فاتحة سنة 2012 مضمّخا بعبير قصر قرطاج الّذي سمّاه ساكنُه باسم الشّعب – أي كاتب الكتاب – بيتَ التّونسيّين.
والأهمّ أنّ هذا الكتاب مهّد له الرّئيس الكاتب بتقديم طفَح بعبَق الثّورة وتزينت سطورَه بألوان القصر. ذلك صنَع جسرا عميقا بين كلام المناضل المنفي سنة 2001 وبين كلمات الرّئيس المنتشِي سنة 2012.
التقديم– وهو مدار قرائتنا في هذا المقال- في بدايته بعضُ التّبرير لإعادة طبع الكتاب، هي كما قال "بعض إرادة للثّأر من كلّ تلك السّنوات العجاف" وهي على ما ذكَر رسالة للجيل الجديد" ليفهم أنّ الثّورة لم تأت من فراغ وإنّما من صراع سياسيّ وفكريّ ساهمت فيه أجيال من المناضلين السّياسيّين والمفكّرين…"
إنّ الكاتب الرّئيس يريد كما يبدو، لا أن يثأر من السّنوات العجاف فقط، وإنّما أن يقدِّم إثباتا لمساهمته في الثّورة ردّا في ما يبدو على تهمة النّضال بالمراسلة الّتي اتّهمه بها أصدقاء وأعداء تقليلا من إسهامه هو ومن انتهج نفسَ النّهج في ثورة شتاء 2011 .
إنّ الكتاب بهذه الصّورة يصبِح بيانَ نصرٍ ظاهرُه الانتشاء بالانتصار على الاستبداد وباطنُه التّبجّح بجرّ منافسيه إلى هزيمة يستحقّونها في نظر السّيد المرزوقي، وهؤلاء هم "بعض الأحزاب" الّتي انزلقت في الحملة الانتخابيّة " لشراء الذّمم بالمال السّياسيّ واستعمال الإشهار الرّخيص والتّرويج لاستطلاعات رأي مدفوعة الثّمن وكاذبة للتّأثير على النّاخبين"..هكذا يصِف الرّئيس الوقائع.
وبعيدا عن مساءلته حول الدّلائل على بعض التّهم خاصّة في ما يتعلّق باستطلاعات الرّأي مدفوعة الثّمن، يمكننا مساءلته عن المبرّرات الّتي تجعل سلوكَ منافسيه المعلن والمتواتر بالصّيغة الّتي وصفه بها بأرقى الدّيمقراطيّات خرقا لأخلاقيّات التّنافس من جهة التّأثير على النّاخبين ولا تجعَل السّيد المنصف المرزوقي متّهما بنفس التّهمة هو الّذي دعا النّاخبين أثناء نفس الحملة إلى معاقبة منافسيه بما في ذلك من توجيه لإرادة النّاخب بشكل سافِرٍ ومباشر؟..
السّيد المرزوقي يتحدَّث وهو المنتشي بنصره عن أعداء آخرين للدّيمقراطيّة هم "أقليّات" أعطتلنفسها الحقّ في قطع الطّرق وسدّ أبواب المصانع، لتفرض خارج كلّ إطار قانونيّ النّظر في مطالب مشروعة، ولكن حلّها بتلك الطّريقة لم يكن ممكنا".
وهنا يستعصي أمرُ الجدل مع الرّئيس الكاتب حتّى نتبيّن مقصدَه بهذه الأقليّات، أهيَ تلك الّتي دافَع عنها وناصَر حقّها وأساليبها في المطالبة بها لمّا كان يُناكِف الحكومة الانتقاليّة في مختلف صورها أم هي الّتي عِيلَ صبرُها بعد أن أوْهَمُوها بأنّ الجنّة ما بعد الانتخابات توجد تحت أقدام ثُلَّةٍ مَا، تجمّعت في تحالفِ محاصصة إثر الانتخابات؟
يستنتج السّيد الرّئيس الكاتب متسائلا مستنكِرا: " ألا تشكّل مثل هذه التّصرّفات دليلا على أنّ جزءا من الشّعب أبعد ما يكون عن قدرة فهم وتشغيل نظام سياسيّ مبنيّ على علويّة القانون والمصلحة الجماعيّة وفضّ النّزاعات بالحوار؟ هل سنضطرّ اليوم للتّفريق بين نوعين من التّونسيّين والعرب: الّذين لا يستأهلون العيش تحت الدّكتاتوريّة والّذين لا يستأهلون العيش في كنف الدّيمقراطيّة؟".
وحتّى لا نُبقي على سؤال رئيسنا السّيد محمد المنصف المرزوقي جائعا آثرنا أن نجيبه بكلام السّيد المنصف المرزوقي المناضل الحقوقيّ المعارض للاستبداد، كلام اقتطعناه من الكتاب نفسه، وإنّما من كلمات 2001 لا من كلمات 2012.
سيّدي الرّئيس، وكما قلت كاتبا بالصّفحة 21 :" إنّ من يتصوّرون أنّ هناك بشرا ليسوا أهلا للدّيمقراطيّة، كمن يتصوّرون أنّ هناك شعوبا ليست جديرة بالسّعادة أو بالخير أو بجمال الطّبيعة."
إنّ الكتابان، كتاب التّقديم وكتاب المتن المعتّق من عشر سنين من أكبر الدّلائل على ما يفعل الكرسيّ في صاحبه يجعله يخلِطُ متوهّما أنّه يطرّزُ الدرّ صافيا ويكشفِه متناقضا وهو يتوهّمُ الانسجام والتطّابق.
هذا بعضُ ما أوحت لي به قراءةٌ متعجّلة لكتاب الرّئيس الكاتب بين زمنين، وأحسب أنّ الزّاوية الّتي قرأته منها مفتوحة على تأويلات أخرى لا يتسّع لها هذا المجال ولا يستجيب لها واقِعٌ لا نريد له أن يتأزّم، ولهذا نكتفي بهذا عسَى أن نكون قد نبّهنا به إلى خطر الانسياق في نشوة انتصار يجِب أن يُقرأ بشكل مختلف حتّى يُستثمَر في خدمة البلاد والعباد.