سيكون الاتحاد العام التونسي للشغل أول الأطراف الفاعلة في البلاد التي تدعو صراحة إلى تقليب دفاتر العسكر من خلال دعوته مؤخرا إلى فتح تحقيق بشان أحداث 26 جانفي 1978 والتي كان الجيش طرفا رئيسيا في إخمادها…
الاتحاد يفتح صفحة "الخميس الأسود"، فما رأي الجيش؟ |
سيكون الاتحاد العام التونسي للشغل أول الأطراف الفاعلة في البلاد التي تدعو صراحة إلى تقليب دفاتر العسكر من خلال دعوته مؤخرا إلى فتح تحقيق بشان أحداث 26 جانفي 1978 والتي كان الجيش طرفا رئيسيا في إخمادها.
وجاء بلاغ للاتحاد عشية الذكرى ليسلط الضوء من جديد على تلك الحقبة التي ظلت بعيدة عن التداول في الإعلام التونسي طيلة الحكم الماضي. ولم يكتف البلاغ باستحضار أرواح المواطنين والنقابيين الذين سقطوا في تلك الأحداث تحديدا يوم "الخميس الأسود" الموافق لـ 26 جانفي 1978 وإنما أيضا ليثير الأسئلة حول مدى تورط المؤسسة العسكرية في تلك الأحداث من خلال دعوته لفتح تحقيق في حجم تدخله.
بالنسبة للاتحاد فإن الأحداث التي رافقت يوم الإضراب العام تعد من بين الوقفات التاريخية للمؤسسة النقابية ضد "الظلم الّذي شنّته السلطة آنذاك بهدف القضاء نهائيا على الاتحاد العام التونسي للشغل ومحاولة تركيعه وجعله أداة طيعة للنظام".
وقد طالب الاتحاد في بلاغه بضرورة فتح تحقيق في تلك الأحداث الّتي راح ضحيتها عددا كبيرا من النقابيين ومن المواطنين فاق بكثير عدد شهداء ثورة 14 جانفي 2011 وذلك إنصافا لعائلاتهم ورد الاعتبار لهم.
وتلخص افتتاحية جريدة الشعب بتاريخ 26 أوت 1977 تحت عنوان"لا للعبث بقوت الشعب"، الأجواء الاجتماعية الساخنة في البلاد والتململ العام لدى القاعدة العمالية والنقابية بسبب الضرر الواضح الذي بدأ يلحق القدرة الشرائية للمواطنين.
وجاء في الافتتاحية "لماذا هذه الموجة العاتية من الأسعار الملتهبة؟ أين الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمقاومة الاحتكار والحد من ارتفاع الأسعار؟ لتجيب "لقد بلغ الأمر حدا من الاستفحال لا يمكن السكوت عما يجري دون خشية من التوترات الاجتماعية… أما أن تبقى الأجور ثابتة جامدة والأسعار تتصاعد كالسهم في السماء فهذا أقل ما يقال فيه إنه ليس من حزم الأمور فكيف يعقل أن تبقى الأجور ثابتة وترتفع أسعار بعض المواد الضرورية لحياة المواطن بنسبة مائة بالمائة أو أن تشمل الزيادة دفعة واحدة وبدون استئذان معظم المواد الغذائية".
وتعكس هذه الأوضاع حسب المحللين فشل المنوال التنموي والخط الليبرالي الذي انتهجه الوزير الأول السابق الهادي نويرة فيما يتعلق بتأسيس "المجتمع الوسط" و"العدالة الاجتماعية". وقد أدت هذه الخطة إلى نتائج عكسية وكارثية على المستوى الاجتماعي أدت بالنتيجة إلى تفاقم الأزمة اقتصاديا وسياسيا.
ولم يكن من الممكن في ظل التدهور الاقتصادي والاجتماعي تجاهل الواقع السياسي في ظل التسيد التام للحزب الاشتراكي الدستوري على مفاصل الدولة والهيئات بما في ذلك الاتحاد العام التونسي للشغل نفسه. وقد توج ذلك المشهد قبل تلك الفترة بإعلان الرئيس الحبيب بورقيبة رئيسا مدى الحياة وإقصاء الجناح الليبرالي بقيادة أحمد المستيري وانتصاب المحاكمات ضد رموز اليسار.
حتى انه بات الحديث في تلك الفترة عن "التيار الفاشستي" و"عصابة اليد الحمراء الجديدة" و"نزعات الإرهاب والتصفية الجسدية".
كان واضحا أن الأوضاع المشحونة في كامل ولايات الجمهورية التي دخل بعضها في إضراب عام قبل يوم 26 جانفي قد بدات تتجه بشكل متسارع نحو مواجهة محتومة جندت لها الحكومة كل ما في حوزتها من وسائل وعدة لمجابهتها من ذلك استدعاء الجيش من ثكناته لأول مرة في تاريخ تونس الحديث من اجل فض النزاع وإنقاذ النظام البورقيبي.
وقد بلغ التوتر ذروته يوم 26 جانفي، انتهت بصدامات بين قوات الأمن والجيش من جهة وجموع المتظاهرين والغاضبين من جهة أخرى تخللتها أحداث عنف وفوضى وحرق وتكسير في العاصمة وعدد كبير من المدن التونسية سقط على إثرها المئات من القتلى.
وتمّ اعتقال عدد كبير من النقابيين ومحاكمتهم و على رأسهم الزعيم النقابي الحبيب بن عاشور الذي حكم بـ 10 سنوات سجن مع الأشغال الشاقة وكذلك على عبد الرزاق غربال كاتب عام الاتحاد الجهوي بصفاقس بـ10 سنوات، إلى جانب أحكام أخرى تراوحت بين 8 سنوات وبين عدم سماع الدعوى فيما توفي النقابي حسن الكوكي في السجن بسبب عمليات التعذيب الّتي تعرّض إليها والنقابي سعيد القافي الّذي توفي في منزله متأثرا بالتعذيب والتنكيل. كما حوكم أكثر من ألفي مواطن بتهمة التآمر على أمن الدولة.
وعلى الرغم من مرور 34 عاما على أحداث "الخميس الأسود" فإن استحضار هذه الصفحات السوداء من تاريخ البلاد اليوم قد لا يقتصر على مجرد انعاش الذاكرة بقدر ما يمهد الطريق للعدالة لإعادة فتح تلك الملفات، وللدولة التونسية عموما من أجل المصالحة وهو أمر قد يستوجب استدعاء المؤسسة العسكرية للإدلاء بدلوها.
|
تحرير: طارق القيزاني
|