حزب متغوّل ومعارضة كرتونية: هل نحن بصدد استنساخ مشهد قديم في تونس؟

في آخر تحرّك لأحزاب المعارضة انتقدت هذه الأخيرة خطوة الحكومة بمعية رئيس الجمهورية المؤقت قرار طردهما للسفير السوري مكتفية بإرسال بلاغات عبر البريد الالكتروني إلى وسائل …



حزب متغوّل ومعارضة كرتونية: هل نحن بصدد استنساخ مشهد قديم في تونس؟

 

في آخر تحرّك لأحزاب المعارضة انتقدت هذه الأخيرة خطوة الحكومة بمعية رئيس الجمهورية المؤقت قرار طردهما للسفير السوري مكتفية بإرسال بلاغات عبر البريد الالكتروني إلى وسائل الإعلام وببعض التعلقيات على صفحاتها على الفايس بوك .

 

ولا يعرف في الواقع ما إذا كانت هذه البلاغات الالكترونية التي دأبت أحزاب المعارضة على إرسالها والتعامل من خلالها مع وسائل الإعلام والرأي العام كافية فعلا لإيجاد التوازن المفقود في المشهد السياسي وتفعيل طموحاتها مستقبلا لاستقطاب الشارع تمهيدا للاستحقاقات الانتخابية القادمة .

 

وتخفي تلك البلاغات الالكترونية في طريقة التعامل حالة من الفراغ المحير لأحزاب المعارضة التي فوتت على نفسها فرصة تاريخية إبان سقوط النظام السابق لتجد نفسها اليوم ترزح تحت جملة من المشاكل بدءا بحالة التشتت والتشرذم مرورا بصراع الزعامات الداخلية وتهرم القيادات وافتقاد طروحاتها إلى التجدد فضلا عن ابتعادها عن أمهات المشاكل التي يعاني منها المواطن التونسي اليوم.

كما تعيش بعض هذه الأحزاب حالة من التخبط الإداري والعجز المالي اثر استنزاف عددا منها لمواردها في الحملات الانتخابية للمجلس الوطني التأسيسي. وانعكس ذلك بالنتيجة على أداء المعارضة الذي لم يرتق إلى اليوم إلى تطلعات جزء من الناخبين الذين يبحثون عن بديل لنمط الحكم السائد الآن.

وأكثر ما يخشاه الملاحظون أن تعيد تجربة الحكم اليوم استنساخ المشهد القديم القائم على تعايش حزب متغول بجانب معارضة كرتونية لا حول ولا قوة لها.

ولاحظت الصحفية آمال بالحاج علي في حديثها للمصدر أن دور المعارضة انحصر فيما يتعلق بصياغة الدستور في حين غاب دورها الرئيسي المتمثل في مراقبة عمل الحكومة ما خلق حالة من الفراغ المزدوج، على المستوى الحكومي وعلى مستوى المعارضة.

وتقول آمال إنه بالنتيجة أصبحا نعاني في هذه المرحلة من حالة الغموض التام وانعدام الفهم على المستوى الداخلي والخارجي. فلا الحكومة واضحة في عملها وبرامجها ولا المعارضة واضحة في تحركاتها ورؤيتها، على حد قولها.

وكثيرا ما تحدثت أحزاب المعارضة والتيارات "الحداثية" بشكل خاص عن برامج بديلة وقوى سياسية موازية، غير أن خطابها إلى اليوم لا يتعدى مستوى العناوين الفضفاضة وهو فشل ينضاف إلى القصور المسجل في عملها الرقابي للسلطة.

وتعيب آمال على الأحزاب المعارضة حالة التشرذم والتشتت التي تعيشها وسقوطها في النقاشات الجانبية العقيمة والتجاذبات السياسية دون تطرقها بشكل أساسي إلى مناقشة عمل الحكومة وبرنامجها وطرحها في المقابل لبديل محترم وجذاب للشعب.

ولكن آمال بالحاج تلقي أيضا باللائمة على رجال الأعمال المنضوين تحت منظمة الأعراف بسبب التمويلات الكبيرة التي رصدوها للأحزاب في حملاتهم الانتخابية دون أن يكون لهم دور فعال في تقديم مشاريع لتأهيل بنية الاقتصاد التونسي الذي يعيش صعوبات خانقة بعد الانتخابات.

وكانت عدد من أحزاب المعارضة وعلى رأسها الحزب الديمقراطي التقدمي والحزب الوطني الحر قد رصدت أموال ضخمة للدعاية في حملاتها الانتخابية للمجلس الوطني التأسيسي دون أن يكون لذلك مردودية فعالة في عملية الإقتراع، بل إن نتائجه كانت عكسية للحزب التقدمي الذي صنفه الملاحظون كمنافس رئيسي لحركة النهضة لكنه في الأخير لم يصل حتى إلى ربع المقاعد التي تحصلت عليها الحركة (16 مقعد مقابل 89)، فيما كانت نتائج الانتخابات كارثية للوطني الحر الذي خرج بصفر من المقاعد رغم أمواله المهدورة.

وقد اتضح من نتائج تلك الانتخابات أن المال السياسي لا يمكن لوحده أن يصنع ربيع الأحزاب التي تبقى في حاجة أولا إلى برامج ذات مصداقية وخطاب سياسي يقوم على الفهم والقرب بالنسبة إلى الناخب.

وقال المحلل السياسي المعروف صلاح الدين الجورشي للمصدر "إن الانتخابات كشفت عن ميزان قوى لصالح الترويكا وفي المقابل وجدنا قطبا مشتتا من حيث التمثيل المحدود على المستوى الشعبي وعلى مستوى مجلس التأسيسي".

وأضاف الجورشي أنه "رغم الجهود المبذولة داخل المعارضة فإن الأخطاء ذاتها مازالت مستمرة الأمر الذي جعل تأثيرها محدودا وهامشيا إلى حد الآن. وكان يفترض بأحزاب المعارضة مباشرة بعد الانتخابات الانطلاق في عملية نقد ذاتي عميق لفهم أسباب الإخفاق والاتجاه نحو إعادة ترميم وتوحيد الصفوف".

وتابع المحلل السياسي "على الرغم من أنه قد سجل إلى حد الآن مراجعات من قبل بعض الأحزاب إضافة إلى تبلور حالة من التقارب وبروز جهود نحو إعادة توحيد الصفوف في وقت قياسي إلا أن هذه الخطوة الايجابية لا تزال محدودة ولم ترتق إلى مستوى التحديات السياسية وإلى مستوى تكوين أقطاب ديمقراطية قادرة على فرض توازن جديد في المشهد السياسي".

وتطرح عمليات الانصهار المتلاحقة وبنسق حثيث بين بعض التيارات المتقاربة نقاط استفهام حول مدى جدواها وفاعليتها خلال الاستحقاقات الانتخابية القادمة خاصة أنها تقوم على خطة استقطاب حزب معارض كبير لأحزاب صغيرة ناشئة تفتقد إلى قواعد جماهيرية.

وعمليا من شأن تلك التكتلات أن تختزل المشهد السياسي في أطراف حزبية محددة، غير أنها لن تكون حاسمة في تحديد موازين القوى طالما أن أقطاب المعارضة الرئيسية باقون على تشتتهم.

وخير الحزب الديمقراطي التقدمي الانصهار مع حزب آفاق والحزب الجمهوري فيما استقطبت حركة التجديد كل من حزب العمل والقطب الديمقراطي الحداثي.

وينتظر الملاحظون الآن ما إذا كانت هذه التحركات ستكون لها انعكاس آلي على أداء المعارضة سواء داخل أو خارج المجلس التأسيسي.

ويقول الجورشي إن مواقف أحزاب المعارضة في الوقت الحالي مازالت متباعدة وغير مؤثرة في عمل الحكومة ونقدها. ويمكن ملاحظة ذلك حتى داخل الكتل بالمجلس الوطني التأسيسي حيث تبرز تناقضات المعارضة فضلا عن تمثيليتها المحدودة داخل تلك الكتل وهو ما سيؤثر فعليا على آليات ومضامين الدستور الجديد.

فالتغيير بحسب الجورشي يتطلب وحدة وبناء قطب أو اثنين وإلا فإن المعارضة لا يمكنها بوضعها الحالي الذهاب بعيدا بطموحاتها السياسية.

ولكن الملاحظ كذلك بحسب المحلل السياسي "أن أحزاب المعارضة لم تؤسس تحركاتها على برنامج مشترك وإنما ظلت وتيرة مواقفها محكومة بالاعتراض. فالمطلوب ليس بناء شخصية رد الفعل وإنما بناء رؤية ذاتية وبرنامج يكون بمثابة حكومة ظل بديلة".

 

طارق القيزاني

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.