كتب الباحث حسين علي بحيري هذه المقالة في مجلة السياسة الدولية القاهرية وقد أعاد نشرها موقع “أوان” وذلك لتقديم التجربة الاندونيسية في العلاقة ما بين الدين والدولة وهي التجربة التي تلتقي في كثير من جوانبها بالوضعية المصرية خصوصا وبالوضعية التونسية في الانتقال الديمقراطي … وتعميما للفائدة تنشر المصدر فحوى المقالة…
العلاقة بين الدين والدولة: ملامح التجربة الإندونيسية وكيفية الاستفادة منها |
كتب الباحث حسين علي بحيري هذه المقالة في مجلة السياسة الدولية القاهرية وقد أعاد نشرها موقع "أوان" وذلك لتقديم التجربة الاندونيسية في العلاقة ما بين الدين والدولة وهي التجربة التي تلتقي في كثير من جوانبها بالوضعية المصرية خصوصا وبالوضعية التونسية في الانتقال الديمقراطي … وتعميما للفائدة تنشر المصدر فحوى المقالة: التشابه الذي حدث بين مصر وإندونيسيا قبل وبعد الثورة سواء في المشكلات التي أدت إلى قيام الثورات فيهما أو في القضايا التي طرحت فيما بعد، والتي تمحورت حول طبيعة الدولة، هل تكون إسلامية أم مدنية، أدى إلى ضرورة أن يتبع القائمون على إدارة البلاد في مصر خطى التجربة الإندونيسية في عملية التحول الديمقراطي والانتقال السلمي للسلطة . فقدرة الدولة الإندونيسية على التوصل بين أطرافها إلى صيغة تضع مبادئ وأخلاقيات الدين في مكانة عالية، وأيضا تبني المؤسسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية العمل على أساس مدني، جعلت من تجربتها الاصلاحية هذه التي حدثت بعد رحيل الرئيس الأسبق سوهارتو نموذجا يستحق الدراسة، ويجب الامتثال به . ولاستعراض هذه التجربة، عقد المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية ورشة عمل بعنوان " التجربة الإندونيسية وكيفية الاستفادة منها في مصر" ، تناولت كيفية الاستفادة من خبرة إندونيسيا في عملية التحول الديمقراطي، والانتقال الآمن والمتدرج نحو الديمقراطية ،وتداول السلطة بشكل سلمي . نموذج يستحق الدراسة والتطبيق إن الغرض الرئيسي من استعراض التجربة الإندونيسية هو استكشاف كيفية الاستفادة من هذه الخبرة في عملية التحول الديمقراطي والانتقال الآمن والمتدرج نحو الديمقراطية وتداول السلطة بشكل سلمي، في الوقت نفسه الذي تجرى فيه عملية الإصلاح السياسي والدستوري، بشكل يؤدي إلى تفعيل مشاركة كافة المواطنين في الحياة السياسية ،مع ضمان احترام كافة الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين . وباستعراض الخبرة الإندونيسية في مجال التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي والدستوري والمراحل التي مرت بها هذه التجربة، نجد أنه قد واجهها العديد من الإشكاليات والعقبات،وخاصة في الفترة الزمنية 1998- 2002. وقد ركزت تجربة الإصلاح السياسي والدستوري في إندونيسيا على ما يلي : * الفصل التام بين السلطات . * تعزيز الممارسات الديمقراطية . * احترام حقوق الإنسان . * التحول لنظام اللامركزية بدلا من المركزية . والتطبيق العملي الذي تم على أرض الواقع مما تضمنته التجربة الإندونيسية تمثل في احترام حرية الرأي والتعبير للمواطنين، بل وأتاحت المشاركة السياسية لكافة المواطنين. وقد برز ذلك بوضوح في الانتخابات العامة التي جرت عام 2009 ، حيث شارك 48 حزبا سياسيا في هذه الانتخابات، من خلال تشكيل لجنة قضائية مستقلة، تم انتخابها بموافقة البرلمان، من أجل الإشراف على العملية الانتخابية، لضمان الحرية والنزاهة والشفافية . وكذلك، أسفرت التجربة الديمقراطية الإندونيسية عن قيام الحكومة بتشكيل محكمة متخصصة للفصل في قضايا انتهاكات حقوق الإنسان. وفيما يتعلق بصلاحيات رئيس الدولة، فإنه لا يستطيع حل البرلمان. وإذا رغب البرلمان في إقالة رئيس الدولة، فإنه يتم تشكيل لجنة برلمانية عليا تضم أعضاء من مجلس النواب ومجلس الشيوخ الذين يرشحون أعضاء هذه اللجنة. وبعد تشكيلها، يتم التصويت على إقالة الرئيس، بعد التأكد من مخالفته للدستور ، ووجود أسباب قانونية ودستورية مدعومة بأدلة حقيقية تدعو للإقالة الرئيس، وليس لأسباب شخصية . وبالنسبة للمحكمة الدستورية العليا، وفقا لما تضمنته التجربة الإندونيسية، فإنها تتشكل من تسعة قضاة يتم اختيارهم كالتالي :
ثلاثة قضاة يختارهم رئيس الدولة، وثلاثة قضاة من محكمة النقض، وثلاثة قضاة يختارهم البرلمان، ويتم اختيار رئيس المحكمة الدستورية العليا من هؤلاء القضاة عبر الانتخاب المباشر .
إيجابيات وسلبيات التجربة الإندونيسية في الإصلاح الدستوري والديمقراطي * التوجه نحو احترام حقوق الإنسان وحرية التعبير عن الرأي . * تأسيس العديد من الأحزاب السياسية ( التعددية الحزبية ). غير أن هناك بعض السلبيات تمثلت في : بعد التحول الديمقراطي في إندونيسيا ، أساء البعض استخدام حرية التعبير والممارسات الديمقراطية، فنتجت عنها حالة من الفوضى وعدد من الصراعات العرقية، وهو مؤشر على التأثيرات السلبية للديمقراطية التي تحاول إندونيسيا الحد منها ، وإصلاح الأمور في إطار الطريق نحو الإصلاح السياسي . وتلعب الحكومة الإندونيسية دورا مهما في الحد من هذه الصراعات العرقية ، من خلال تجريم هذه الممارسات، من خلال ضبط المتهمين وإحالتهم للمحاكمات الجنائية لمعاقبة المخطئين ومرتكبي هذه الجرائم من الشعب الإندونيسي، لكن الحكومة الإندونيسية غير مسئولة عن هذه الأعمال . * اهتمام الأحزاب السياسية وانشغالها بجمع الأموال الخاصة بتمويل نفسها، ومن ثم ظهرت العديد من قضايا الفساد المالي والسياسي . * الاستخدام السيئ لحرية التعبير عن الرأي داخل المجتمع الإندونيسي، حيث أصبحت هذه الحرية مطلقة بشكل أدى لنتائج عكسية ، وهو ما دفع الحكومة إلى مراقبة الحريات، وتوقية دور القضاء والمحكمة الدستورية لإصلاح الأوضاع السيئة التي آلت إليها البلاد . * خروج الكثير من المظاهرات داخل المجتمع الإندونيسي، استنادا إلى حرية التعبير والمشاركة، وهو ما أدى إلى وضع تحد أمام الشرطة الإندونيسية في التعامل مع هذه التطورات الجديدة على المجتمع الإندونيسي . وللحد من تلك الآثار السلبية فإن هناك الكثير من الجهود التي تبذلها الحكومة الإندونيسية لتحسين الأوضاع السيئة التي آلت إليها البلاد، في إطار محاولات التقليل أو الحد من الآثار السلبية للديمقراطية واحترام حقوق الإنسان . العسكريون والحياة السياسية ومن أهم المشكلات التي واجهتها إندونيسيا عند وضع الدستور الجديد والتحول الديمقراطي ، عقب استقالة سوهارتو، علاقة القوات المسلحة هناك بالعمل السياسي، فقد كانت هناك أهمية تحديد أنها تتبع القيادة السياسية . حيث اعتمدت إندونيسيا على نظام سياسي يحافظ على المصلحة الوطنية للإندونيسيين في المقام الأول، من خلال التوازن في العلاقة بين الشعب والقوات المسلحة هناك، وتأكيد عدم تدخل القوات المسلحة في الحياة المدنية الإندونيسية، واشتراط أن يستقيل العسكريون من مناصبهم، في حالة المشاركة في الحياة السياسية . وبالنسبة لدور العسكريين والقوات المسلحة في الحياة السياسية الإندونيسية، ففي ظل وجود عدد كبير من الأحزاب السياسية في إندونيسيا، لا يوجد للقوات المسلحة حزب سياسي ، ولكن يمكن للعسكريين أن يكونوا أعضاء بأي حزب سياسي، ولكن شريطة أن يتركوا عملهم في القوات المسلحة. فقد نجح الشعب الإندونيسي فى إلغاء الدور المزدوج المنصوص عليه فى الدستور للقوات المسلحة. كما لم تعد الشرطة خاضعة للجيش، إلا أنه لم يستطع تفكيك الكيان الإقليمى للقوات المسلحة، أو الحد من الأنشطة الاقتصادية التى توافر لها ضعف ما تتلقاه من الميزانية الحكومية، كما استمرت تبعية أجهزة المخابرات للقوات المسلحة . الفصل بين السلطات والمحكمة الدستورية العليا
تعتمد الحكومة الإندونيسية على الموازنة بين السلطات الثلاث وعدم الخلط بينها، من حيث الاختصاصات، وكل سلطة تراقب الأخرى. فالبرلمان يراقب السلطة التنفيذية، والمحكمة الدستورية العليا تراقب جميع السلطات، وتفصل في مدى مخالفة القوانين للدستور . ومن أهم التعديلات التي جرت في إندونيسيا، اختيار النظام السياسي الرئاسي للحكم فيها، وتم تحديد فترة تولي الرئاسة بفترتين رئاسيتين فقط ، كل فترة رئاسية خمس سنوات، واعتماد نظام الانتخاب المباشر لرئيس الجمهورية، والمحافظين ورؤساء المدن . وبناء على ذلك، يتم إجراء 500 عملية انتخابية كل خمس سنوات . وفي إطار التحول الديمقراطي في إندونيسيا، تم العمل على إرساء وتعزيز الممارسات الديمقراطية ،وضمان المشاركة السياسية في الحياة السياسية، ووضع ضمانات لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية تتسم بالنزاهة والشفافية، وجعل البرلمان محور السلطة، مع الحفاظ على استقلال القضاء من خلال دور المحكمة الدستورية العليا في الحفاظ على هذا الاستقلال. ومن ضمن اختصاصاتها ما يلي : * اختبار مدى دستورية القوانين . * الفصل في الصراعات بين المؤسسات الحكومية . * الإشراف على الانتخابات ومراقبتها . * الفصل في دعاوى إقالة رئيس الجمهورية . * تتشكل المحكمة الدستورية العليا من تسعة قضاة يقومون باختيار رئيس المحكمة فيما بينهم من خلال الانتخاب : * ثلاثة يختارهم رئيس الدولة . * ثلاثة من محكمة النقض . * ثلاثة يختارهم البرلمان . النساء في البرلمان الإندونيسي لا يوجد كوتا أو حصة مخصصة للنساء في البرلمان، ولكن يجب على كل حزب سياسي يشارك في الانتخابات البرلمانية أن يقوم بترشيح 30% من مرشحيه من النساء، وهو حق دستوري يكفله الدستور الإندونيسي لتفعيل مشاركة النساء في العملية السياسية . كما تشكل الأحزاب الإسلامية نسبة 25% من أعضاء البرلمان الإندونيسي . قبل الإصلاح الدستوري، لم يكن لهذه الأحزاب أي وجود على الساحة السياسية الإندونيسية، وأخذت فرصتها كاملة بعد وضع الدستور الجديد، وأصبحت فاعلا أساسيا في الحياة السياسية هناك. فهناك العديد من الأحزاب الدينية الإسلامية داخل البرلمان ،ومنها حزب العدالة والرفاهية( 7%من المقاعد)، وحزب الأمانة الوطنية ( 7%من المقاعد)، وحزب العلماء المسلمين ( 3%من المقاعد ). هذه كانت أهم السمات الرئيسية للتجربة الإندونيسية في عملية الإصلاح السياسي والدستوري والتحول نحو الديمقراطية، وما واجهها من مشكلات اعترضت طريق هذا التحول، وكيفية التغلب عليها، وصولا إلى حالة من الاستقرار السياسي والأمني. يمكن لنا في مصر أن نستفيد من التجربة الإندونيسية، خاصة في ظل وجود بعض نقاط التشابه التي سبقت عملية التحول الديمقراطي، والدخول في مرحلة الإصلاح السياسي والدستوري، مع تأكيد وجود الكثير من نقاط الاختلاف بين البلدين ، وكذلك تأكيد أن لكل مجتمع خصوصياته وظروفه الخاصة . وما يهمنا في مصر هو الانتقال السلمي للسلطة بشكل آمن يتحقق معه الاستقرار الأمني والسياسي، ويدفع بعجلة التنمية في البلاد .
|
بقلم: حسين علي بحيري |