خلّفت الأخبار المتحدّثة عن انتشار ظاهرة الزّواج العرفيّ ببلادنا خاصّة في بعض المؤسّسات الجامعيّة جدلا بين مختلف المتابعين والمهتمّين وحتّى …
الدّعـــارة الــحــلال!
خلّفت الأخبار المتحدّثة عن انتشار ظاهرة الزّواج العرفيّ ببلادنا خاصّة في بعض المؤسّسات الجامعيّة جدلا بين مختلف المتابعين والمهتمّين وحتّى المسؤولين. ولئن أجمَع كثيرون على أنّها ظاهرة سلبيّة أخلاقيّا واجتماعيّا وخرق للقانون وتعسُّف في فهم الشّريعة وتطبيقها فإنّ آخرين وجَدُوا لها المعاذير الّتي برّروها بها.
الشّيخ عبد الفتّاح مورو والّذي يُحظى بثقة الأغلبيّة خاصّة في مستوى التّقسير الشّرعيّ سارَع حال تجاوزه لأزمته الصّحيّة إلى التّأكيد على أنّ الزّواج العرفيّ مرفوض شرعا وقانونا، بل إنّه عَدَّ في تصريح لجريدة الصّباح هذه الظّاهرة أسلوبا مبتذَلا في الاستقطاب السّياسيّ يقوم على إباحة العلاقات الجنسيّة غير الشّرعيّة إباحةً تُرغِّب في تبنّي المواقف والمبادئ الّتي يدعو إليها الّذين يشرِّعون لهذا النّوع من "الدّعارة".
وجاء كلامُ الشّيخ بمثابة الرّدّ على ما نُسِب لوزيرة المرأة والأسرة سهام بادي والّذي اعتبرت فيه الزّواج العرفيّ من الحريّة الشّخصيّة. هذا التّصريح – الّذي برّرته صاحبته بعَجَلتها أثناء الإدلاء به ممهِّدةً بذلك للتّراجُع عنه بعد أن كانت أنكرت إدلاءها به أصلا – أثار استهجان المدافعين عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان عموما إضافة إلى المفكّرين والمثقّفين والإعلاميّين باعتباره يمثّل مدخلا سيعصف ببنية الأسرة التّونسيّة ويمهّد لتعدّد الزّوجات كما أكّدت ذلك الدّكتورة نائلة السّليني في مقالة لها نشرتها صحيفة المغرب بجوار حوار أُجري مع وزيرة المرأة تنصّلت فيه من مسؤوليّة تصريحاتها.
إنّ هذا النّوع من الزّواج وكما وضّحت ذلك الدّكتورة السّليني يشرّع البابَ لأنواع من الدّعارة التّي تُمارَس باسم الدّين ومنها الزّواج السّياحي وزواج المتعة وزواج المسيار وكلّها أشكال من امتهان المرأة وسلبها لحقوقها ممّا لا يليق بالمرأة التّونسيّة الّتي ناضلت أجيالٌ من المفكّرين والمصلحين من أجل تثبيت وتكريس حقوقها خاصّة من خلال مجلّة الأحوال الشّخصيّة الّتي باتت بمثل هذه التّصريحات اللاّمسؤولة من مسؤولين حكوميّين مهدّدة بالمراجعة وبالتّنكّر لبعض أصولها.
لا شكّ أنّ العودة إلى مناقشة مشروعيّة وشرعيّة الزّواج العرفيّ يُعَدّ في الرّاهن التّونسيّ وحتّى العالميّ من سَقْطِ الجَدَلِ، غير أنّ ما يشدّ الانتباه هو أن يطفُو مثلُ هذا الموضوع وغيره من متشابهاته مثل النّقاب وتعدّد الزّوجات وعمل المرأة وغيره من المواضيع المتعلّقة بالمرأة على السّاحة.
إنّ ذلك مردّه في تصوّري هو مراجعة جملة من المكاسب الحداثيّة على رأسها مكتسبات المرأة في سياق مساعي الفكرِ الرّجعيّ إلى تعديل النّمط المجتمعيّ التّونسيّ الّذي استقرّ أو يكاد. وإنّه كذلك مدخَلٌ آخَرُ لإلهاء الرّأي العامّ عن أمّهات القضايا مثل التّشغيل والتّنمية الجهويّة ومقاومة الفقر ممّا بات يقظّ مضجع الحكومة ومسؤوليها. وهو إلهاء لا يختلِف من حيث المسوّغات والغايات عمّا انتهجه النّظام النّوفمبريّ من خلال توظيفه للرّياضة والفنّ الهابط لإلهاء عامّة الجمهور عن كبرى المشاكل وتعميته عن فساد النّظام.
إن كان ولا بدّ من العودة إلى مناقشة قضيّة المرأة والمساواة والحريّة الشّخصيّة فليس هذا بالمدخل المناسب لاستعادة مثل هذا الجدل، بل لعلّه من المفيد أن نستغلّ الحَدَث لإعلاء الأصوات من أجل تكريس المساواة التّامة بين الجنسين وإلغاء جميع أنواع التّمييز بين المرأة والرّجل التّونسيّين.