بعد أن دخل أعوان البلديّات في إضراب عن العمل لمدّة أربعة أيّام احتجاجا على أوضاعهم المترديّة ماديّا ومعنويّا ومطالبة منهم بتفعيل مجموعة من الاتّفاقيّات الّتي تلكّأت الحكومة في الإيفاء بها ظهرت مجموعة من العناصر المحسوبة على حزب حركة …
على “النهضة” التفكير مليا قبل استفزاز “الاتحاد”
بعد أن دخل أعوان البلديّات في إضراب عن العمل لمدّة أربعة أيّام احتجاجا على أوضاعهم المترديّة ماديّا ومعنويّا ومطالبة منهم بتفعيل مجموعة من الاتّفاقيّات الّتي تلكّأت الحكومة في الإيفاء بها ظهرت مجموعة من العناصر المحسوبة على حزب حركة النّهضة لِتقِف في وجه هذا الإضراب لأنّها تعدّه تعطيلا لمسار عمل الحكومة هدفه إضعاف "حكومة النّهضة" حتّى يسحَب الشّعب منها ثقته.
هذه الميليشيات الّتي تعوّدنا على حضورها في كلّ حركة احتجاجيّة لا تتماشى مع أجندا الحزب الحاكم لتقوم بترهيبها وتعطيلها عدّت الاتّحاد العام التّونسيّ للشّغل عدوَّها لأنّه ساند الشّغالين في البلديّات في إضرابهم، وطبعا لم ير أنصار النّهضة أنّ الاتّحاد يقوم بواجبه الّذي دأب عليه منذ نشأ باعتباره منظّمة مهنيّة هدفها الانتصار لحقوق العمّال والنّضال في سبيل تحسين أوضاع الشّغالين ماديّا ومعنويّا، وإنّما قدَّروا من زاوية نظرٍ حزبيّة أنّ الاتّحاد "اليساريّ" يستهدف كسرَ عضام حزب اليمين الحاكم وأنّ ما قام به إنّما هو إعلان حرب لم يتأخّر النّهضويّين في إشعال فتيلها.
لقد سارَعت الميليشيّات إلى مقرّات الاتّحاد بمختلف مناطق البلاد فتمّ الاعتداء على بعضها بالحرق والتّهشيم شأن ما فعلوا بمقرّ الاتّحاد بمدينة فريانة من ولاية القصرين، كما عمَدوا في حركة مقرفة وغير مسبوقة إلى وضع حاويات محشّوة بالقمامة أمام مختلف دور الاتّحاد.
ينسى أنصار النّهضة ومن ورائهم حزب الحركة بقياداته وهياكله أنّ الاتّحاد كان منذ نشأته قاطرة النّضال ضدّ الاستبداد، وأنّ مقرّاته الّتي تحوّلت بفضل أياديهم إلى مزابل كانت ملجأ كلّ المناضلين من كلّ الأطياف ليعبّروا من خلالها عن مواقفهم وليعملوا بمساندة النّقابيّين على استرداد الحقوق المسلوبة والتّصدّي لكلّ مظاهر الاضطهاد والقمع.
وينسون كذلك أنّ مفاصل تاريخ النّضال التّونسيّ المعاصر كان الاتّحاد عنوانُها الرّئيسيّ، كان ذلك في فترة الاستعمار الّتي قاد فيها الاتّحاد عبر رموزه وقادته الحركة الوطنيّة في أبرز المواجهات ضدّ المستعمر والّتي انجرّ عنها استشهاد المناضل الرّمز فرحات حشّاد الّذي اغتالته عصابة اليد الحمراء الاستعماريّة في الخامس من ديسمبر سنة 1952، وكان ذلك ذات خميس أسود يوم 26 جانفي 1978 وما نتَج عنه من تنكيل وسجن العديد من قيادات وأعضاء الاتّحاد ، وكان ذلك بمناسبة ثورة الخبز في جانفي 1984، وكان ذلك كذلك شتاء 2011.
ليتذكّر الّذين يتوافدون على مقرّات الاتّحاد بالقمامة أنّ الأهالي في سيدي بوزيد وتالة والقصرين وصفاقس وتونس العاصمة… كانوا في ديسمبر وجانفي 2011 يتوافدون على تلك المقرّات نفسها حيث يبدأ التّمهيد للتّحرّكات الّتي تحوّلت إلى مظاهرات حاشدة تُوجِّت يوم 14 جانفي بهروب المخلوع. ذلك اليوم التّاريخيّ نفسه بدأ من ساحة محمد علي أمام مقرّ الاتّحاد بالعاصمة.
إنّ التّاريخ النّضاليّ للاتّحاد لا يستوجب من النّهضة الاحترام والتّقدير فقط، وإنّما يفرض عليها أن تفكّر مليّا وأن تتدبّر كثيرا قبل أن تُقدِم على استفزاز هذه المنظّمة العتيدة بعد أن تبيّن لها استعصاء اختراقها. نظاما بورقيبة وبن علي سلكا المسلك نفسه وفشلا دائما، فهل من متّعظ؟