ببادرة من الجمعيّة التّونسيّة للاقتصاد الإسلاميّ وبالاشتراك مع المعهد الإسلاميّ للبحوث التأم منتدى تونس الأوّل للاقتصاد الإسلاميّ يوم الإثنين 27 فيفري 2012…
على هامش منتدى تونس الأوّل للاقتصاد الإسلاميّ: تصوّر جديد لا يحمل جديدا
ببادرة من الجمعيّة التّونسيّة للاقتصاد الإسلاميّ وبالاشتراك مع المعهد الإسلاميّ للبحوث التأم منتدى تونس الأوّل للاقتصاد الإسلاميّ يوم الإثنين 27 فيفري 2012.
الملتقى الّذي تمحور حول مبادئ الاقتصاد الإسلاميّ والصّكوك وصناديق الاستثمار حضره رئيس الحكومة السّيد حمّادي الجبالي والوزير المكلّف بالملف الاقتصادي السّيد رضا السّعيدي، وكلاهما كما يُلاحظ من رموز الحزب الإسلاميّ الحاكم نعني حزب حركة النّهضة.
وإضافة إلى ممثّلي الحكومة التّونسيّة حضر العديد من المهتمّين والعاملين على إنماء ونشر والتّبشير بما يُسمَّى "الصّيرفة الإسلاميّة" و"الاقتصاد الإسلاميّ" من أبرزهم السّعوديّ الشّيخ صالح عبد اللّه كامل رئيس مجموعة البركة وأحمد محمّد علي رئيس مجموعة البنك الإسلاميّ للتّنمية وعزالدّين محمّد خوجة الأمين العام للمجلس العام للبنوك والمؤسّسات الماليّة الإسلاميّة.
ما يُلاحَظ في هذا الملتقى هو هيمنة المعجم الإسلاميّ استبدالا للمعجم الاقتصادي التّقليدي المتداول بين جلّ المهتمّين بالاقتصاد التّونسيّ، وهذا بيّن في توصيف مجمل الهيئات والمنظّمات الحاضرة وحتّى في ما يخصّ محور الملتقى نفسه إذ كلّها لا تخلو من صفة "الإسلاميّ"، ومن الطّرائف المؤكّدة لذلك أنّ السّيد رئيس الحكومة حمّادي الجبالي – ولعلّه للإفراط في استعمال مصطلح "الإسلاميّ" بالملتقى – زَلَّ لسانُه في تصريح للتّلفزة الوطنيّة على هامش الملتقى فقال "الحكومة الإسلاميّة" ثمّ استدرك بسرعة وأصلح فقال "الحكومة التّونسيّة" وللمُتأوِّل في زلاّت اللّسان أن يتأوَّل ما شاء له التّأويل.
السّيد رئيس الحكومة حاول في مختلف تعاليقه على هذا الملتقى التّركيز على ما سمّاه تداعيات الأزمة الاقتصاديّة الأوروبيّة مشيرا إلى الإفراط في الاقتراض باعتباره السّبب الرّئيسيّ لتلك الأزمة . الجبالي مهَّد بهذا التّوصيف ليستنتج –
وفي الآن نفسه ليبرّر أحد أهمّ الخيارات الاقتصاديّة لفريق حكومته – أنّ الصّيرفة الإسلاميّة بخصوصيّاتها المُتمايِزة بها عن بقيّة أنماط الصّيرفة المتداولة والمعمول بها بالبنوك وبالمؤسّسات الماليّة العالميّة هي على درجة عالية من الحماية بما مكّنها من الصّمود – كما أشار – أمام الأزمات الماليّة الّتي هزّت العالم في السّنوات الأخيرة.
من المفيد التّنبيه – وفي الآن نفسه تذكير رئيس الحكومة التّونسيّة – أنّ الاقتصاد الإسلاميّ يخضع في جزء كبير منه لآليّات لا يتمّ الالتزام فيها بالانتظام المحقّق للاستقرار والمُجَوِّد للمردوديّة نعني هنا خاصّة آليّتيْ الزّكاة والقرض الحسن اللّتين تراهن عليهما المصارف الإسلاميّة للنّجاح والنّموّ، ونضيف إلى ذلك ما ثبَت من أنّ المؤسّسات الماليّة الإسلاميّة لا تفي بحاجيات المؤسّسات الصّناعيّة وهذا يعني قُصورَها في دعم الإنتاجيّة مقارنة بغيرها من المؤسّسات الماليّة المراهنة على تلك المؤسّسات الصّناعيّة مراهنةً على الاقتصاد الفعليّ الملموس النّتائج لا الاقتصاد الافتراضيّ المبنيّ على السّندات والأرقام الّتي لا يقابلها في الواقع الملموس ما يوازيها ويساويها فعليّا.
لنتذكّر أنّ انعدام المطابقة بين أرقام المعاملات الماليّة والتّجسيم الفعليّ لتلك الأرقام كان السّبب الرّئيسيّ في الأزمة الاقتصاديّة الأوروبيّة والّتي أصبحت لاحقا عالميّة، وهذا لعلّه يُناقض حديثَ السّيد حمّادي الجبالي عن الصّيرفة الإسلاميّة باعتبارها الملجأ المُجنِّب للوقوع في براثن أزمة من ذلك النّوع.
إنّ تزيين المشاريع والخطب والتّصريحات بمعجم إسلاميّ إلى حدّ التّخمة لا يمثّل حُجّة للإقناع بصلابة تصوّر اقتصادي يبدو أنّ فرضيّات نجاحه من عدمها لا تختلف عن بقيّة التّصورات المختلفة عنه والّتي عمل بموجبها الاقتصاد التّونسيّ وما يزال استقراره النّسبيّ مرتهِنا بها بما يعنيه ذلك من خطرِ الإرباك إن فُرِض عليه تصوّر جديد لا يحمل أيّ جديد.
إنّ تعويم الخطاب بتفاؤل لا حجج حقيقيّة تسنده لا يمكنه أن يحجب الدّافع الحقيقيّ لاختيار هذا النّمط الاقتصاديّ الإسلاميّ والسّعي إلى تجذيره ببلادنا.
إنّها الإيديولوجيا وليست النّجاعة كما يحاول رئيس الحكومة وفريقه أن يقنعنا.