تحتفل نساء تونس كسائر نساء العالم بالعيد العالمي للمرأة الموافق لـ 8 مارس.
ويأتي احتفال هذا العام في وقت تشهد فيه تونس تجاذبات عديدة حول وضع المرأة وحول مكاسبها التي تحققت لها منذ الاستقلال.
…
التطرّف وتعدد الزوجات والمأذون الشرعي والجارية.. مسائل تُنغص فرحة المرأة التونسية يوم عيدها العالمي |
تحتفل نساء تونس كسائر نساء العالم بالعيد العالمي للمرأة الموافق لـ 8 مارس. ويأتي احتفال هذا العام في وقت تشهد فيه تونس تجاذبات عديدة حول وضع المرأة وحول مكاسبها التي تحققت لها منذ الاستقلال. وتُعد وضعية المرأة التونسية من أكثر الوضعيات تطورا وتقدما على الصعيدين العربي والعالمي وذلك بفضل ما رصدته لها مجلة الأحوال الشخصية من حقوق منذ الاستقلال وأيضا بفضل الحقوق الأخرى التي اكتسبتها طيلة سنوات حكم بورقيبة وبقيت تستمد منها قوتها أثناء فترة حكم بن علي. لكن هذه المكتسبات باتت اليوم في رأي كثيرين مهددة في ظل وصول حزب ذو مرجعية إسلامية إلى الحكم وحصوله على أغلبية المقاعد بالمجلس الوطني التأسيسي الذي سيصيغ الدستور الجديد للبلاد وقوانينها طيلة عام على الأقل. لا مثيل لها عربيا بشهادة الملاحظين الدوليين، فإن مبادئ حقوق ومكتسبات المرأة في تونس لا مثيل لها عربيا وحتى عالميا بالنسبة لبعض الدول. فقد نص دستور الجمهورية التونسية منذ جوان 1959 على عدة مبادىء تتعلق بحقوق المرأة، ومنها خاصة مبدأ المساواة في المواطنة وعدم التمييز على أساس الجنس وتحديد ضمانات المرأة في المشاركة في الحياة العامّة دون إقصاء أو تمييز . كما نصت مجلة الاحوال الشخصية على عدة مكتسبات للمرأة مثل منع تعدد الزوجات ومنع الزواج العرفي وتحديد سن دنيا للزواج (17 عاما) شريطة موافقتها وإقرار الطلاق القضائي ومنح المرأة في حال وفاة زوجها حق الوصاية على أولادها القصر وحق اختيار الإشتراك في الملكية مع الزوج إلى جانب حقوق مدنية وسياسية أخرى شأنها شأن الرجل مثل الحق النقابي وحق الانتخاب والترشح. كما حظيت المرأة طيلة نصف القرن المنقضي بنسبة هامة من الحرية في اللباس والاختيار والتحرك في المواقع العامة دون قيود أو شروط ودون تمييز بينها وبين الرجل. وساعد هذا التوجه المرأة في تونس على احتلال مواقع هامة في العديد من مجالات الحياة العامة وعلى المشاركة بشكل ناشط في تطور البلاد وعلى تحمل مسؤوليات إدارية وحكومية عليا إلى جانب ممارسة مهن وحرف متعددة لا تزال إلى اليوم حكرا على الرجل في دول عربية. وتتعدى نسبة الفتيات اللواتي يذهبن إلى المدرسة حاليا 70 بالمائة، مقابل 36.7 بالمائة في 1966. ويبلغ عدد سكان تونس حوالي 11 مليون نسمة بحسب إحصاءات رسمية، أكثر من نصفهم بقليل نساء. وفي المقابل حافظت المرأة على هذه المكتسبات ولم تُسئ استعمالها وحافظت بالتالي على هويتها كإمرأة عربية مسلمة تحظى بالاحترام لدى كل دول العالم. مخاوف وشكوك طيلة الأشهر المنقضية، خاصة بعد وصول حزب النهضة الإسلامي إلى الحكم وبعد تعدد التحركات التي يقوم بها محسوبين على التيار الإسلامي المتشدد، ساورت نساء تونس شكوك ومخاوف كثيرة، بعد أن احتل الحديث عن المرأة وعن مكتسباتها طليعة اهتمام سياسيين وحقوقيين وأيضا السلط الرسمية. ورغم اعتبار كثيرين أن الجدل حول مكتسبات المرأة التونسية وحقوقها جدلا عقيما من أصله لأن الزمن تجاوزه وكان بالإمكان تجنبه، إلا أن آخرين يُصرون على ضرورة النبش في هذا الموضوع. وقد بلغت هذه المخاوف ذروتها في الأيام الأخيرة مما دفع بمنظمات نسائية وحقوقية إلى المطالبة بتنظيم مسيرة حاشدة الخميس للدفاع عن حقوق المرأة، وحمايتها من الهجمات التي وصفوها بـ "الرجعية"، وصيانة قانون الأحوال الشخصية الذي ينص بالخصوص على منع تعدد الزوجات، والمساواة بين المرأة والرجل . وأكد مؤخرا تقرير صادرعن الفدرالية الدولية لحقوق الانسان ان "النساء في دول الثورات العربية تواجهن مخاطر متنامية من ان تتم مصادرة ثورة كُنّ جزءا منها". وأضاف التقرير ان النساء "تواجهن اليوم محاولات لاستبعادهن من الحياة السياسية من قبل بعض أطراف العملية الانتقالية إضافة إلى تمييز وعنف من قبل مجموعات متطرفة". النقاب والمأذون والجارية !
من المسائل ذات العلاقة بالمرأة التي حصل حولها جدل كبير مسألة الحجاب والنقاب. حيث يرى شق من التونسيين أن المرأة التونسية أصبحت اليوم مطالبة بارتداء أحدهما، اقتداء بدول عربية أخرى واقتداء بما تنص عليه – في رأيهم – بينما يرى شق آخر أن الأمر فيه تعد على مبدأ حرية اللباس الذي تعودت التونسيات على اعتماده طيلة السنوات الماضية وان ارتداء الحجاب أو النقاب قرار شخصي تتخذه المرأة دون ضغوط من أي كان. كما طرح على طاولة النقاش أيضا موضوع تعدد الزوجات والزواج العرفي الذين يمنعهما القانون التونسي، وقد حصل ذلك عندما دار جدل بالمجلس التأسيسي حول التنصيص صلب الدستور على اعتماد الشريعة الإسلامية مصدرا أساسيا للقوانين المدنية، وهو ما اقترحته كتلة الأغلبية التابعة لحزب النهضة بالمجلس التأسيسي وسط معارضة شديدة من كتل الأقلية. كما طرح الموضوع أيضا بمناسبة النقاش حول مشروع قانون تقدم به أحد أعضاء المجلس التأسيسي لإحداث مهنة المأذون الشرعي المعروف عنه في بعض الدول العربية عدم تقيده بالقانون المدني عند إبرام عقود الزواج مما أحدث مخاوف حول إمكانية إبرام عقود الزواج دون قيد أو شرط. ومؤخرا طالب حزب تونسي بقانون ينص على اعتماد نظام الجواري، وذلك في سابقة تأتي قبل يوم واحد من عيد المرأة، ما أثار جدلا واسعا يرجح أن يتواصل خلال الأيام القادمة .
بعد الثورة في تونس، كان في الحسبان أن يقع الاعتناء على الصعيدين الرسمي والشعبي بالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية الحقيقية للبلاد. لكن مع تقدم الأيام حصل حياد تام عن هذا التوجه وأصبحت مواضيع ثانوية وأكثر من ثانوية هي محور الحديث في الشارع وداخل قبة المجلس التأسيسي وحتى صلب الحكومة. ويأمل التونسي اليوم في أن يقع الالتفات إلى مشاكله الحقيقية عوضا عن إضاعة الوقت في النقاش حول المرأة والنقاب وتعدد الزوجات وحول اعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر تشريع. فتونس دولة قائمة منذ عشرات السنين وهي لا تحتاج اليوم سوى الدفع إلى الأمام وليس الجذب إلى الخلف.
|
وليد بالهادي |