على امتداد السنة الماضية التي تلت الثورة، شهدت تونس تعددا وتنوعا في المطالب الشعبية، وهو أمر طبيعي بسبب ما كان يعانيه الشعب من نقائص على أكثر من مستوى، وقد استجابت الحكومات المتعاقبة لبعض المطالب فيما ظلت مطالب أخرى مؤجلة إلى اليوم…
تغيير اسم تونس ونشيدها الرسمي، الجارية والخلافة، المأذون وتعدد الزوجات .. مطالب رجال السياسة والنواب اليوم في تونس ! |
على امتداد السنة الماضية التي تلت الثورة، شهدت تونس تعددا وتنوعا في المطالب الشعبية، وهو أمر طبيعي بسبب ما كان يعانيه الشعب من نقائص على أكثر من مستوى، وقد استجابت الحكومات المتعاقبة لبعض المطالب فيما ظلت مطالب أخرى مؤجلة إلى اليوم. لكن بالإضافة إلى الشعب، ظهرت على الساحة أيضا مطالب واقتراحات من السياسيين، لا سيما من المنتمين للأحزاب ولهياكل المجتمع المدني، قبل أن تطفو على السطح في المدة الأخيرة "مطلبية رسمية" أبطالها بعض أعضاء المجلس الوطني التأسيسي وبعض المسؤولين. ويرى ملاحظون أنه بقدر ما كانت مطالب أبناء الشعب معقولة ويطغى على جلها الطابع الاجتماعي والاقتصادي ودوافعها هي الفقر والخصاصة والحرمان، إلا أن مطالب بعض السياسيين كانت غريبة ولا علاقة لها بالواقع التونسي المُعاش، بل أن بعضها فيه عودة بالبلاد، دولة وشعبا، إلى الخلف والبعض الآخر وصفها كثيرون بالمتدنّية لأنها تسيء إلى صورة تونس ولم يكن لها من مبرر او دافع سوى محدودية تفكير أصحابها. ومن المطالب الغريبة نذكر ما تقدم به أحد نواب التأسيسي حول تغيير اسم البلاد من تونس إلى إفريقيّة (وهي التسمية القديمة لتونس). النائب نفسه اقترح في إطار مشروع قدمه للمجلس التأسيسي تغيير النشيد الوطني التونسي، وقال إن النشيد الوطني الحالي وجد لظرفية معينة وهي فترة الاستعمار وكان يدعو لمواجهة المستعمر والوقوف في وجه الطغيان أما في الفترة الحالية فقد تغير السياق ولم يعد النشيد مواكبا لتغييراته. ومن بين المطالب والاقتراحات التي يراها عدد من التونسيين غريبة أيضا مشروع قانون تقدم به أحد النواب لإحداث مهنة المأذون الشرعي الذي بدأت بعض الدول تفكر في التخلص منها لأنها لم تعد مواكبة للعصر. فالمأذون الشرعي كما هو معمول به في بعض دول المشرق العربي لا يعترف بإبرام عقود الزواج بالطرق المدنية القانونية وعادة ما يهضم حقوق المرأة. ومؤخرا طالب نائب بسن قانون ينص على تعدد الزوجات، أو اعتماد نظام الجواري وبأن ينص الدستور التونسي الجديد على "حق كل تونسي في اتخاذ جارية إلى جانب زوجته ، والتمتع بما ملكت يمينه". ودعا إلى إلغاء كل فصل قانوني يُجرم هذه العلاقة التي وصفها بـ"الشرعية " ، مشددا على ضرورة " تقنين الجواري، واعتبار ذلك حقا متاحا للرجال المتزوجين بواحد، وتصنيف الجارية ضمن خانة "ما ملكت أيمانهم". واعتبر أن الجارية هي "الحل الأنجع لإعادة التوازن الاجتماعي والأخلاقي للمجتمع التونسي . وكان رئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي قد أثار منذ أشهر جدلا واسعا لدى الرأي العام التونسي عندما تحدث عن الخلافة الاسلامية، وهوما اعتبره الشعب التونسي مقترحا غريبا وعبر عن رفضه الشديد له. ومؤخرا كثر الحديث صلب حزب التحرير التونسي غير المرخص له عن "الخلافة الراشدة الثانية" وهو ما أثار بدوره الاستغراب. وأثير في تونس على امتداد الأشهر الأخيرة موضوع تعدد الزوجات والزواج العرفي، الذين يمنعهما القانون التونسي، وذلك على خلفية صعود حزب النهضة ذي المرجعية الاسلامية إلى الحكم وعلى خلفية مطالبة نواب هذا الحزب باعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع في الدستور الجديد. واعتبر شق من التونسيين أن هذا الاقتراح غريب عن تونس المعاصرة وقالوا انه توجد لديهم خشية من القراءات المتشددة للدين الإسلامي، ويرون أنه يمكن الاكتفاء بالتنصيص على أن الإسلام دين الدولة التونسية وبالعمل على مزيد إرساء المبادئ الأساسية للدولة العصرية دون التوظيف السياسي للدين الإسلامي. وكان النائب عن حزب النهضة الصادق شورو قد أثار بدوره جدلا واسعا واعتبر كلامه غريبا عن الواقع التونسي وذلك عندما دعا في مداخلته بالمجلس التأسيسي الى التصدي بقوة للمحتجين الذين يعطلون اقتصاد البلاد حسب رأيه وذلك بصلبهم وقطع أيديهم أو أرجلهم معتمدا في ذلك على آية قرآنية . ووصف شورو هؤلاء بـ "جيوب الردة" قائلا إنها "تسعى في الأرض فسادا" وهي عدوة الشعب. المواقف والآراء حول هذه المطالب وغيرها متباينة. الشق الأول من التونسيين يرى أنه آن الأوان لأن يتخلص بعض رجال السياسة وبعض نواب المجلس الـتأسيسي من مثل هذه المطالب التي يصفونها بالبالية وبأنها تعيد تونس مئات وآلاف السنين إلى الخلف. ويضيفون أنه في الوقت الذي من المفروض ان يسعى فيه نواب التاسيسي والمسؤولين السياسيين وغيرهم من النخب استنباط الافكار والحلول اللازمة لانقاذ البلاد من وضعها الاقتصادي المتردي وللمحافظة على ما تحقق لديها من مكاسب المعاصرة والحداثة والاعتدال وللعناية بالفقراء والمحتاجين، نجدهم في المقابل يستنبطون أفكارا رجعية لا تنفع التونسي في شيء. بينما يرى شق آخر أن المطالب ذات المرجعية الاسلامية باتت مشروعة اليوم في تونس بعد سنوات من القمع والاستبداد، وان تونس في النهاية هي دولة دينها الاسلام ولا مفر من تطبيق تعاليم الشريعة فيها اقتداء بدول عربية أخرى وأنه لا داعي للتخوف من فزاعة الدين. ومهما يكن من أمر فإن الأكيد هو أنه توجد اليوم في تونس أولويات يجب إيلاؤها كل العناية أولا على غرار الاقتصاد والوضع الاجتماعي لعدد من التونسيين وتدهور المقدرة الشرائية، ثم يمكن المرور في ما بعد إلى مناقشة المسائل الاخرى الثانوية.
|
وليد بالهادي |