يبدو أن التوافق بشأن صياغة الدستور المقبل سيكون سيّد الموقف داخل المجلس التأسيسي على الرّغم من تباين الرؤى حول العديد من القضايا الجوهرية ومن أهمّها طبيعة النظام السياسي
التوافق بشأن البند الأول من الدستور القديم..خطوة إلى الأمام |
يبدو أن التوافق بشأن صياغة الدستور المقبل سيكون سيّد الموقف داخل المجلس التأسيسي على الرّغم من تباين الرؤى حول العديد من القضايا الجوهرية ومن أهمّها طبيعة النظام السياسي.
ويعتبر قرار حركة النهضة بالتمسك بالبند الأول من دستور 1959 والابتعاد عن التنصيص على الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للدستور خطوة هامة في طريق هذا التوافق السياسي.
ويرى أعضاء المجلس أن كتابة الدستور الجديد ستسير بنسق أسرع، في ظلّ توافقات محسومة بشأن الوثيقة التأسيسية حول طبيعة النظام الجمهوري والحقوق والحريات، وخصوصا بعدما وضعت حركة النهضة حدّا للجدل الدائر بشأن الشريعة.
وهناك نقاط التقاء كثيرة بين الكتل النيابية في المجلس التأسيسي وهي تشمل تكريس النظام الجمهوري للدولة والتداول على السلطة عبر انتخابات شفافة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة والحقوق والحريات.
فكل الأطراف السياسية بما فيها حركة النهضة الإسلامية ملتزمة بأن طبيعة النظام جمهوري مدني، وهو توافق يقطع مع التجاذبات التي طفت على الساحة والتي تغذيها مطالب بتأسيس خلافة إسلامية.
وصعد الإسلاميون في الآونة الأخيرة من تحركاتهم في الشوارع للمطالبة بالتنصيص على الشريعة في الدستور المقبل، بينما أبدى الشق المعارض المتمسك بمدنية الدولة اعتراضا كبيرا على ذلك.
وفي ظلّ هذه التجاذبات حسمت الهيئة التاسيسية لحركة النهضة (أعلى سلطة قرار) موقفها وقررت منذ أيام وبغالبية الأصوات الموافقة على الإبقاء على الفصل الأول من الدستور القديم، في الدستور المقبل.
وقوبل هذا الإعلان بترحاب كبير من باقي القوى السياسية التي عبرت عن تمسكها بالبند الأول من الدستور القديم، معتبرة أنه كافيا لترسيخ الهوية العربية الإسلامية في البلاد دون المساس بمدنية الدولة.
وعبرت عضو المجلس التأسيسي والأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي المعارض مية الجريبي عن ارتياحها لهذا القرار، قائلة "أنا أثمن هذا الموقف لأنه يستجيب لحاجة حقيقية للحفاظ على وحدة مجتمعنا من الانقسام".
من جهته، اعتبر عضو المجلس التأسيسي ورئيس حركة التجديد المعارضة أحمد إبراهيم أن موافقة حركة النهضة على التمسك بالفصل الأول من الدستور القديم "قرار إيجابي".
كما اعتبر عضو بالمجلس التأسيسي وقيادي بحزب التكتل من أجل العمل والحريات المولدي الرياحي أن نتيجة الحوار الذي وصلت إليها حركة النهضة "كانت مهمة لأنه يذهب في الاتجاه التوافقي الذي يعم المجتمع".
ويرى هؤلاء النواب أن من شأن تقارب وجهات النظر بين حركة النهضة وبقية الأحزاب داخل المجلس التأسيسي حول الفصل الأول من الدستور سياهم في تسريع وتيرة كتابة الدستور المقبل دون الدخول في نقاشات طويلة وتجاذبات لا فائدة منها.
وأثار الشروع في إعداد الدستور خلافات بين القوى السياسية حول موقع الشريعة الإسلامية، بين منادين بإضافتها مصدرا أساسيا من مصادر الدستور، وبين متمسكين بالفصل الأول من الدستور القديم لعام 1959.
وكان أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد أكد في جلسات استماع سابقة أمام لجان التأسيسية في المجلس الوطني التأسيسي أن التجاذب بشأن موقع الشريعة في الدستور المقبل يمكن حله بسهولة.
وأشار إلى أنّ الحلّ يكمن في الإبقاء على الفصل الأول للدستور القديم الذي ينص على أن "تونس دولة حرة ومستقلة وتتمتع بالسيادة، دينها الإسلام ولغتها العربية ونظامها الجمهورية".
وأكد في السياق أن جزءا كبيرا من القوانين التونسية المعمول بها في النظام السابق كمجلة العقود والالتزامات ومجلة الأحوال الشخصية متطابق مع الشريعة الإسلامية.
وقال سعيد في تصريحات سابقة للمصدر "ليس هناك ما يفرق التونسيين لأن الشعب بأغلبه مسلم"، مؤكدا أنّه في حال عدم حصول وفاق حول المبادئ العامة والابتعاد عن التجاذبات "لا يمكن وضع دستور يعمّر طويلا".
ويتطابق تصريح قيس سعيد مع وجهة نظر الكثير من القياديين في حركة النهضة ومن بينهم رئيس الحركة راشد الغنوشي الذي أكد أنّ المصادقة على الدستور يجب أن تكون بأغلبية الثلثين ليدوم للأجيال المقبلة.
وفي ظلّ التوافق بشأن الغبقاء على البند الاول من الدستور القديم الذي يدور حوله إجماع كبير بين أغلب التونسيين، بقي على أعضاء التاسيسي أن يعمقوا نقاشاتهم بشأن طبيعة النظام السياسي المقبل ليكون إما رئاسي أو شبه رئاسي أو برلماني.
إذ تختلف الرؤى داخل المجلس التأسيسي أيضا حول النظام السياسي القادم، فبينما تسعى حركة النهضة إلى إرساء نظام برلماني، يسعى الديمقراطي التقدمي إلى نظام رئاسي، في حين ترغب قوى أخرى مثل التكتل في إرساء "نظام مزدوج" شبه رئاسي شبه برلماني.
لكن الكثير من النواب داخل المجلس التأسيسي يعتبرون أنّ النقاش حول النظام السياسي المقبل لن يكون محل خلاف كبير، على الرغم من أنه قد يأخذ بعض الوقت. |
خميس بن بريك
|