من المؤكد ان الجيش التونسي ليس جيشا افريقيا ولا يملك المواصفات القبلية والعشائرية ومع ذلك فإن صدى ما يتردد من أحداث في دول ليست بعيدة عن أسفل المنطقة الصحراوية التونسية وتحديدا من الجارة ليبيا أو من مالي مؤخرا …
الجنرال يتراجع عن “صافرة النهاية” ويفجر أسئلة بلا نهاية في الشارع التونسي |
من المؤكد ان الجيش التونسي ليس جيشا افريقيا ولا يملك المواصفات القبلية والعشائرية ومع ذلك فإن صدى ما يتردد من أحداث في دول ليست بعيدة عن أسفل المنطقة الصحراوية التونسية وتحديدا من الجارة ليبيا أو من مالي مؤخرا وقبلها من منطقة الساحل والصحراء، أحداث تلقي الضوء بشكل جدي على الدور الذي يمكن ان يلعبه الجيش الوطني في المراحل القادمة اذا ما تصدرت الى الواجهة سيناريوهات غير متوقعة على الساحة الوطنية. وسبب هذا التنويه أن لغطا كثيرا بدأ يتسع في وسائل الاعلام ويتردد في صمت بكواليس الداخلية والمؤسسة العسكرية بعد ما جاء على لسان الزميل الصحفي سفيان بن فرحات بإحدى الإذاعات الخاصة ونشر بصحيفتي "المغرب" و"لابراس" من أن الجنرال رشيد عمار رئيس أركان الجيوش الثلاثة يستعد "لإطلاق الصافرة لاعلان نهاية فترة الراحة" في اشارة الى تنامي ظاهرة السلفية المتشددة وتواتر العنف الديني الذي بات يروع جزء هاما من المواطنين والمثقفين. ومع أن وزير الداخلية علي العريض والجنرال رشيد عمار قد نفيا بشكل غير رسمي التصريح المذكور واللقاء الذي سرب فيه. فإن الحديث لم يكف عما يمكن أن تنتهجه المؤسسة الأمنية أو المؤسسة العسكرية إن اضطر الأمر لاحتواء الهوجة السلفية وحالة الفلتان التي تعيشها هذه الفئة بما أصبح يهدد فعليا النسيج المجتمعي وأيضا المصالح العليا للبلاد من أمن واستقرار واقتصاد وفرص استثمار. في الواقع لم يعد مهما الآن البحث فيما إذا كان التصريح المنسوب للجنرال عمار صحيحا أم لا وما إذا كان اللقاء الذي جمعه بوزير الداخلية علي العريض قد تم أم لا. ولكن في المقابل أصبح من المطالب الملحة الآن الوقوف بشكل واضح على موقف السلطة الأمنية والعسكرية عما يجري من تهديد أمني خطير للمواطنين وللدولة ومدى استعدادهما لمجابهة أي سيناريوهات طارئة من الداخل. فتلويح الداعية السلفي أبو عياض ووعيده مؤخرا تجاه وزير الداخلية على مرأى ومسمع من السلطتين فضلا عن تحديه واعترافه علنا بانتسابه لنهج القاعدة وفكر بن لادن، قد أقض مضجع أغلب التونسيين لسببين رئيسيين. السبب الأول دون شك يتعلق بالسيناريوهات المحتملة مستقبلا التي يحملها هؤلاء السلفيون المتشددون في جرابهم بشأن النسيج المجتمعي وهي سيناريوهات مستوردة تضع الهوية والخصوصية التونسية، بما في ذلك تيار النهضة نفسه، على المحك. وقد وقف التونسيون على عينات كثيرة مفزعة وغير مطمئنة، منها نفور هذه الفئة المتشددة وذات اللباس الغريب من الوجود المؤسساتي للدولة ومن حالة التنظم المجتمعي والتعايش بين كل الأطراف المكونة للمجتمع على اختلاف مشاربها السياسية والحزبية والدينية والثقافية. فقد أصبح مألوفا في الشوارع رؤية تلك الفئات وهي في حالة هيجان تلوح وتجعجع بمصطلحات عدائية وحربية من قبيل "القتال" و"الموت" و"الكفار" بل أنها لا تتورع في استعمال العنف المادي ضد المثقفين و"الليبراليين" وحتى الإسلاميين المعتدلين فضلا عن جنوحها الدائم إلى التعبئة في الشوارع وغزو الساحات واستعراض العضلات والتهجم على الأقليات الدينية في البلاد، مسيحيون ويهود، دون رقيب أو حسيب في أغلب الأحيان. أما السبب الثاني الذي يؤرق التونسيين ويقض مضجعهم هو أن الدولة التي طالما نادى السياسيون كثيرا بإعادة هيبتها منذ أيام الفلتان الأمني في أعقاب الثورة تكاد تخسر اليوم ما تبقى لها من رصيد ومن قدرة على فرض النظام وبسط الأمن العام كما أنها تغامر بخسارة البقية الباقية من الاحترام لدى الجمهور بعد التهديد الصريح للقيادي السلفي أبو عياض تجاه وزير الداخلية "بأن يلزم حدوده حتى لا تقع الفتنة" دون أن يكون لذلك أي تبعات قانونية. وهو المآل نفسه لعدة وقائع حدثت في الماضي كحادثة العلم في منوبة والمسرح البلدي وسينما "لافريكا" والنطحة الشهيرة للإعلامي حمادي الرديسي أمام المحكمة الابتدائية بالعاصمة. فالدولة التي لا تقدر على حماية مؤسساتها ورموزها من مثل هكذا تجاوزات، وهي ليست بالتجاوزات البسيطة، فكيف سيأتمنها المواطن على حماية أمنه وأمن عائلته وموارد رزقه وأرضه ووطنه. هنا يكمن الرعب الحقيقي. والخوف كل الخوف أن تتغول تلك الفئات، وقد رأى منها التونسيون ما رأوه في أحداث بئر علي وقبلها في الروحية، لتتحول إلى صداع مرير في رأس السلطة. وقد أثبتت التجارب في الدول القريبة والبعيدة أن مثل هذا الصداع لا ينتهي بمجرد مسكنات ودعوات لحوار، لا يؤمن به أحد طرفيه، بل إن عدم الحسم معه منذ البداية يفتح له الباب ليتحول إلى صداع مزمن وحينها لن تقوم قائمة للاستثمار والسياحة والاقتصاد مهما ألفت الحكومة من برامج.
|
طارق القيزاني |