جدل واسع في تونس حول التعويض المالي للمساجين السياسيين

يطرح ملف التعويض المالي للمساجين السياسيين السابقين جدلا واسعا في تونس بين مؤيد ورافض له، خاصة أنه يتزامن مع معالجة الحكومة لملف آخر حساس وهو ملف التعويض لشهداء وجرحى الثورة طال النظر فيه وأصبح محلّ تذمرات…



جدل واسع في تونس حول التعويض المالي للمساجين السياسيين

 

يطرح ملف التعويض المالي للمساجين السياسيين السابقين جدلا واسعا في تونس بين مؤيد ورافض له، خاصة أنه يتزامن مع معالجة الحكومة لملف آخر حساس وهو ملف التعويض لشهداء وجرحى الثورة طال النظر فيه وأصبح محلّ تذمرات.

 

ويقدر عدد المعنيين بالتعويض المالي في إطار العفو العام بحوالي 10 آلاف شخص منهم 8 آلاف حاصلين على شهادة في العفو من وزارة العدل.

 

وتعمل هذه الأيام مصالح وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية على تقبل ملفات التعويضات المالية وتقوم مصالحها بإعداد قانون تطبيقي لمرسوم العفو العام الصادر منذ فيفري 2011.

 

وبالتوازي مع ذلك ينفذ عدد من المعنيين بالتعويض هذه الأيام وقفة احتجاجية أمام المجلس التأسيسي للفت النظر إلى ضرورة إدراج مبلغ التعويضات صلب قانون المالية التكميلي.

 

وتمّ في فيفري 2011، سن قانون العفو العام وغادر بمقتضاه آلاف المساجين السياسيين وأغلبهم من الإسلاميين السجون كما تمت إعادة إدماج عدد كبير منهم في مواقع عملهم الأصلية، التي غادروها قسرا في السنوات الماضية أثناء تعرضهم للمحاكمة، غير أنهم مازالوا ينتظرون  تمكينهم من التعويضات المالية.

 

ويتطلع المعنيون بالتعويض هذه الأيام إلى صدور القانون الخاص بالعفو العام والذي سيحدد كيفية حصول المساجين السياسيين على تعويضات مادية.

 

ونص المرسوم عدد 1 الصادر في 19 فيفري لسنة 2011 على أن يقع النظر في مطالب التعويض المالي المقدمة من قبل الأشخاص المنتفعين بالعفو العام طبقا لإجراءات وصيغ يحددها إطار قانوني خاص.

 

مقترحات

 

ويرى شق من التونسيين أن حصول هؤلاء على تعويض مالي فيه مس من قيمة نضالاتهم باعتبار أن النضال ضد الظلم والطغيان لا يكون بمقابل مالي ولا يقدر بثمن وأن أفضل تعويض لهم هو معاقبة جلاديهم ومُعذبيهم.

 

ويرون أيضا أن دفع تعويضات كبرى للمساجين السياسيين السابقين في هذه الفترة بالذات سابق لأوانه بما أن الدولة تمر بوضع اقتصادي صعب ومن الأفضل مزيد الانتظار إلى حين تحسن المؤشرات الاقتصادية ثم تمكينهم من التعويض اللازم.

 

ويذهب آخرون أبعد من ذلك بالقول أن السجن ليس لوحده مقياسا للحصول على التعويض وأن عددا كبيرا من التونسيين كانوا "مسجونين" ومعذبين ومضطهدين داخل منازلهم بطرق غير مباشرة ويستحقون بدورهم التعويض، شأنهم شأن ضحايا الفقر والحرمان الذين تسبب فيهما النظامين السابقين ومن حق هؤلاء أيضا الحصول على تعويض ليزيحوا عنهم آثار الخصاصة التي يعانون منها إلى اليوم.

 

ويرون أن أفضل تعويض عن فترة الديكتاتورية التي مرت بها البلاد هو التعويض الشامل الذي تنتفع منه كامل البلاد وكامل الشعب على غرار التنمية الاقتصادية في كل الجهات بلا استثناء وتطوير التشغيل والرفع من مستوى العيش، وليس الاقتصار على التعويض لفئة معينة فقط.

 

ويعتبر أصحاب هذا الرأي أن إعادة السجين السياسي إلى سالف عمله وتمكينه من أجور ورواتب وامتيازات السنوات التي ابتعد فيها عن عمله كاف في الوقت الحاضر ليرد له بعض الاعتبار في انتظار تمكينه من تعويض مالي آخر يضمن له رد الاعتبار.

 

ويرون أنه في صورة قبول الدولة بدفع التعويضات المالية فإنه من الأفضل أن يكون ذلك على أقساط سنوية وليس دفعة واحدة حتى لا يقع إثقال كاهل الدولة بمبلغ طائل في هذه الفترة الصعبة التي تمر بها البلاد.

 

وهناك من يقترح توجيه المبالغ المخصصة لهذه التعويضات إلى مستحقيها على شكل مشاريع اقتصادية صغرى و ليس في شكل أموال سائلة، وهو ما من شأنه أن يدعم الاقتصاد ويساعد على دوران عجلة التنمية وعلى إحداث مواطن شغل.

 

صندوق تبرعات

 

وراجت أخبار تشير إلى أن الدولة قررت تخصيص مبلغ 750 مليار كتعويض للمساجين السياسين الذين لوحقوا قضائيا منذ حقبة بورقيبة وبن علي. وقد لمحت بعض الأطراف أن المستفيد الأبرز من التعويضات هم السجناء الإسلاميين وتحديدا من حركة النهضة.

 

غير أن مصادر حكومية رسمية  نفت صحة تلك الأخبار وقالت إنها تدخل في إطار حملة مغرضة تتعرض لها الحكومة، مؤكدة أن هذا الملف لن يقع تفضيله على ملف جرحى وشهداء الثورة.

 

وأضافت أن موارد الدولة لا تسمح بصرف تعويضات طائلة للسجناء وأن التعويضات المالية للمساجين السياسيين لن يقع صرفها من أموال الدولة الموجهة للمشاريع التنموية والاقتصادية  وللتشغيل بل سيقع تخصيص حساب جاري لجمع التبرعات من أطراف وطنية ودولية وأنه لن يقع صرف هذه التعويضات إلا بعد حسم ملف جرحى وشهداء الثورة.

 

رد اعتبار

 

ويرى شق آخر من التونسيين أن من حق كل من سُجن سابقا (في عهدي بورقيبة وبن علي) الحصول على تعويض مادي يعوض له عن الظلم والاضطهاد و التعذيب الذي تعرض له بسبب مواقفه السياسية أو الإيديولوجية.

 

وحسب رأيهم فإن مثل هذه التعويضات ليست بدعة تونسية بل سبق العمل بها في عدة دول بعد الثورات وتفرضها أيضا القوانين الإنسانية الدولية.

 

ويرى المدافعون عن هذا الرأي أن مستحقي التعويض اليوم كانوا الأكثر جرأة في الوقوف في وجه الظلم والديكتاتورية وتحملوا تبعات ذلك في وقت خير فيه الآخرون الصمت أو التهليل لنظامي الاستبداد، وكان لوقفتهم تلك ولما عانوه من سجن واضطهاد دور كبير في تبليغ معاناة تونس إلى العالم مما ساهم في الضغط على نظامي بورقيبة وبن علي من القوى العالمية وأدى بالسلطة – تحت تأثير الضغط الاجنبي-  إلى تعديل سياستها خاصة في السنوات الأخيرة نحو احترام نسبي  لحقوق الإنسان انتفع منه كل الشعب.

 

وبالتالي فإنه من واجب الشعب والسلطة اليوم – حسب هذا الرأي – أن يُسهما في رد الاعتبار لهؤلاء المضطهدين سابقا بما يتناسب مع جسامة الانتهاك وظروف كل حالة بما يعيد الضحية إلى وضعها الأصلي قبل وقوع الانتهاكات ويضمن لها الحرية والتمتع بحقوق الإنسان واسترداد الهوية والحياة الأسرية والمواطنة  والعودة إلى مكان الإقامة الأصلية  واسترداد الوظيفة واسترجاع الممتلكات.

 

كما يشمل التعويض أيضا الضرر البدني أو العقلي و الفرص الضائعة، بما فيها فرص العمل والتعليم والمنافع الاجتماعية و الضرر المعنوي والنفقات المترتبة عن القضايا المرفوعة وعن العلاج والدواء.

 

ولا يتوقف رد الاعتبار إلى هؤلاء على التعويض المالي بل يجب أن ترفقه أيضا محاسبة لكل من ارتكب جريمة التعذيب والاضطهاد في حقهم عن طريق محاكمات عادلة تضمن حقوق الجميع.

 

وليد بالهادي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.