أصبح المشهد العام في أكثر من منطقة محل تساؤل واستغراب من المواطنين بعد أن ملأت الأوساخ والفضلات المنزلية وغيرها والأعشاب الطفيلية والفئران والجرذان والحشرات والكلاب السائبة وكذلك الحفر والأتربة والأوحال الأحياء والطرقات والانهج بما فيها الواقعة بقلب العاصمة ووسط المدن السياحية الكبرى…
الأوساخ والحفر والحشرات تكتسح المدن.. البلديات متقاعسة والحكومة في غيبوبة |
أصبح المشهد العام في أكثر من منطقة محل تساؤل واستغراب من المواطنين بعد أن ملأت الأوساخ والفضلات المنزلية وغيرها والأعشاب الطفيلية والفئران والجرذان والحشرات والكلاب السائبة وكذلك الحفر والأتربة والأوحال الأحياء والطرقات والانهج بما فيها الواقعة بقلب العاصمة ووسط المدن السياحية الكبرى.
مشاهد ذكرت التونسيين بأيام إضراب أعوان النظافة في البلديات منذ أشهر لكن ذكرتهم أيضا بالوضع الذي كانت عليه المدن التونسية قبل حوالي 30 عاما عندما كان العمل البلدي آنذاك منقوصا وكانت عديد الأنهج مسالك ترابية وكانت عدة أحياء تحيط بها الأشواك والأعشاب الطفيلية.
ويرى الملاحظون أن الأمور مرشحة لتتفاقم نحو الأسوأ مع الارتفاع التدريجي لدرجات الحرارة ومع تطور نسق الاستهلاك الذي من الطبيعي أن يُفرز اكثر كمية من الفضلات.
لكن اليوم، تدفع هذه المشاهد إلى التساؤل أين العمل البلدي ؟ وأين النيابات الخصوصية التي وقع تعيين أغلبها منذ حوالي عام لتسير العمل البلدي بصفة وقتية إلى حين إجراء انتخابات بلدية؟ أين الحكومة لتراقب السير اليومي للعمل البلدي في أكثر من جهة؟
ويتساءل آخرون، ألم ينتبه المسؤولون الحكوميون ونواب التأسيسي ورئيس الجمهورية والمسؤولين الإداريين إلى تلك المشاهد وهم يمرون بسياراتهم يوميا عبر هذه المناطق السوداء؟
وطيلة الأشهر الماضية لم يمر يوم واحد دون أن يتذمر فيه متساكنو إحدى الجهات –عبر وسائل الإعلام– من انتشار الأوساخ والفضلات بأنواعها ومن المشاهد المزرية في مناطقهم، ودون أن يتذمر فيه سواق السيارات من الانتشار المهول للحفر على طول الطرقات والأنهج والشوارع الرئيسية في المدن الكبرى بما فيها المدن السياحية ووسط العاصمة.
وبعد أن تعود التونسيون طيلة السنوات الماضية على بعض الانتظام في العمل البلدي، أصبح اليوم عمل أعوان رفع الفضلات محل استغراب المواطن وذلك بسبب عدم الانتظام في رفع الفضلات وعدم جدية بعضهم والتغيب أحيانا لعدة أيام عن رفع حاويات القمامة وخاصة من أمام الأماكن الحساسة على غرار المدارس والمعاهد والمستشفيات وأسواق الخضر والغلال والتجمعات السكنية والتجارية.
والأمر نفسه ينطبق على العمل البلدي في مجال تعهد المعبدات بالصيانة وإصلاح الحفر والمطبات، حيث أصبح مستعملو الطريق نادرا ما يرون أشغالا من هذا القبيل، إلى درجة أنهم تعودوا على المناطق السوداء التي تحتوي الحفر و أصبحوا يتحاشون المرور منها.
وتوجد ظاهرة أخرى جديدة في تونس ما بعد الثورة وهي انتشار الأعشاب الطفيلية بشكل لافت للانتباه في عدة أحياء وتجمعات سكنية و على الاراضي البيضاء غير المبنية داخل المدن.
هذه المشاهد لم يتعود عليها المواطنين بما أن البلديات كانت في السابق تعمل على القضاء على الأعشاب الطفيلية من البداية ، لكن اليوم أصبحت هذه الأعشاب تنمو بشكل لافت ويكبر حجمها دون أن تحرك البلديات ساكنا فتثير المخاوف لدى الناس لأنها أصبحت مأوى للكلاب السائبة وللحشرات السامة والجرذان والثعابين.
وتهدد هذه المظاهر عدة مصالح في البلاد . فمن ناحية يمكن أن يتسبب الانتشار الكبير للأوساخ بالأحياء السكنية وبقائها مدة طويلة ملقاة تحت أشعة الشمس في انتشار أمراض و أوبئة خطيرة تصيب الأطفال وكبار السن، فضلا عن المخاطر التي يحدثها وجود الحشرات والكلاب السائبة والتي قد تتسبب لا قدر الله في داء مزمن أو في عدوى خطيرة.
ومن جهة أخرى تتسبب هذه المشاهد في إفساد الصورة الجميلة التي يحملها السياح عن تونس . فمناطق سياحية عديدة اليوم مثل توزر وطبرقة وبنزرت وجربة والعاصمة وبعض مدن الساحل تعاني من ظاهرة الأوساخ ، ومن الطبيعي أن يؤثر ذلك سلبا على نظرة السائح إلى بلادنا ويتسبب في تراجع هذا المورد الاقتصادي الهام .
كما أن انتشار الحفر والمطبات على الطرقات يتسبب في تكرر الاعطاب بأسطول النقل في تونس (السيارات الخاصة والشاحنات والحافلات العربات الإدارية) وهذا يتسبب أيضا في تكاليف صيانة إضافية يتحملها بدرجة أولى صاحب السيارة (بما في ذلك الدولة) وتتحملها أيضا المجموعة الوطنية إضافة إلى التسبب في حوادث المرور.
ويتهم المواطنون الحكومة بالانشغال بالشؤون السياسية وبمشاغل السلطة المركزية على حساب العمل البلدي اليومي الذي هو عماد التنمية والتطور في أغلب الدول، والتهمة موجهة في هذا المجال إلى وزارة الداخلية بما أنها سلطة الإشراف على البلديات.
وكان من المفروض في رأي الجميع أن تكون انطلاقة عمل السلطة الجديدة من داخل البلاد ومن أعماقها ( الاحياء الشعبية والمدن الداخلية ) وذلك عبر العمل البلدي ، لكن حصل العكس.
وحتى أعضاء النيابات الخصوصية الذين وقع تعيينهم محل أعضاء المجالس البلدية سابقا فقد أثبتوا فشلهم في التصريف اليومي للعمل البلدي في جزئه المتعلق بالنظافة وبصيانة الطرقات.
وقد يجد هؤلاء الأعضاء مبررات لعجزهم هذا أهمها عدم توفر الاعتمادات المادية اللازمة وعدم توفر التجهيزات الضرورية لإنجاز بعض الأشغال. فقد تضررت عدة تجهيزات بلدية بأعمال الحرق والنهب خلال الثورة.
غير أن تعاملهم مع هذا الواقع بسلبية كبرى هو الذي جعل سلطة الإشراف تتمادى في تناسي متطلبات العمل البلدي . وكان على أعضاء النيابات الخصوصية بكامل أنحاء البلاد أن يوحدوا مواقفهم تجاه هذا التجاهل من سلطة الإشراف وأن يضغطوا على المسؤولين الحكوميين وأن يطالبوهم بتوفير مستلزمات العمل البلدي وإلا استقالوا من مناصبهم تلك.
لكن يبدو أن تشبثهم بالكراسي وبالمسؤولية هو الذي حال دون ذلك فتمادوا هم بدورهم في تجاهل طلبات المواطنين واكتفوا بالعمل البلدي البسيط الذي لا يتطلب إمكانات مادية ولوجيستية.
ولا بد في هذا المجال من تحميل المسؤولية إلى المواطنين أيضا من خلال عدم دفع الضرائب البلدية التي تساعد على تنمية ميزانيات البلديات ، ومن خلال عدم احترام بعضهم لقواعد المحافظة على النظافة ولطريقة إلقاء الفضلات وأيضا بسبب عدم مساهمتهم في بعض الأعمال التطوعية التي تمثل سندا للعمل البلدي خاصة في مجال النظافة.
و مع اقتراب شهر الصيف وتوقع ارتفاع درجات الحرارة إلى معدلات كبرى ، سيمثل انتشار الأوساخ والفضلات هاجسا كبيرا للتونسيين خاصة أمام كثرة الاستهلاك تزامنا مع العطلة المدرسية ومع موسم الافراح والمناسبات.
ويبقى الحل بين أيدي السلطة وذلك بالتعجيل بإجراء انتخابات بلدية ورصد الاعتمادات اللازمة للعمل البلدي والعمل على تطويره ومراقبته بشكل منتظم.
|
وليد بالهادي |