تتالت في المدة الأخيرة الاعتداءات على عناصر الأمن من خلال مقتل عون أمن في بوحجلة (ولاية القيروان) والتعدّي على بعض عناصر التدخل ليلة الجمعة في سوق المنصف الباي (العاصمة) الأمر الذي أدى إلى إصابة 4 …
تونس- هل أصبح جهاز الأمن “طرطورا”؟ |
تتالت في المدة الأخيرة الاعتداءات على عناصر الأمن من خلال مقتل عون أمن في بوحجلة (ولاية القيروان) والتعدّي على بعض عناصر التدخل ليلة الجمعة في سوق المنصف الباي (العاصمة) الأمر الذي أدى إلى إصابة 4 أعوان أمن بجروح متفاوتة الخطورة وانتحار أحد التجار بسكب البنزين على جسده، في تصعيد خطير للوضع ويترجم في الواقع حقيقة مُرّة قوامها أن شريحة من المواطنين أصبحت لا تخشى الأمن.
وفي الوقت الذي تبحث فيه البلاد عن الاستقرار الأمني والاجتماعي عبر الحرص على التهدئة وعدم اللجوء إلى العنف واختيار نهج الحوار المتكافئ وتغليب قوة المنطق والإقناع عوضا عن منطق القوة، يتفاجئ الرأي العام الوطني بأحداث غريبة إلى حدّ التعجب والاستغراب عبر إطلاعنا عبر وسائل الإعلام على تبادل العنف بين مواطنين وقوات الأمن في العديد من مناطق البلاد ووقوع إصابات بين الطرفين!!!
الأمر ولئن بدا للبعض عاديا في الفترة الانتقالية التي تمرّ بها تونس فإنه يحمل في طياته تطورات خطيرة قد تتعكّر بموجبها الأوضاع وتؤدي إلى ما قد لا يُحمد عُقباه بالعودة إلى نقطة الصفر والرجوع إلى الانفلات الأمني الذي عاشته البلاد إبان ثورة 14 جانفي 2011.
ما يتعرّض له أعوان الأمن من فترة لأخرى من اعتداءات وتعنيف من قبل مجموعة من المواطنين التي أصبحت تتطاول على جهاز الأمن وتريد فرض قانونها الخاصّ بها ولو على حساب القانون العام والأمثلة في هذا الإطار عديدة ومتنوعة، يحيلنا إلى حقيقة ثابتة مفادها أن مؤشر الجريمة في تونس لم يتراجع بل ازداد بشكل ملفت للانتباه بدليل العدد الهائل للموقوفين في عمليات إجرامية متفاوتة الخطورة.
والأمر الثاني حالة الاحتقان المتواصلة والحاجز النفسي الذين لم يقع التخلّص منهما إلى حدّ الآن بين المواطن وعون الأمن وهو ما نجم عنه الوقوع في مواجهات تصل إلى حد التعنيف والقتل، وحرص الطرفان على إيجاد أعذار لنفسهما عما ارتكبوه.
الأمر الثالث أن فئة كبيرة من الخارجين عن القانون والمجرمين والمهربين أضحت لا تبالي بالأمن وتتمادى في القيام بخروقات كبيرة تهدد أمن البلاد واستقرارها وبالخصوص لا تتوان في الدخول في مواجهات مباشرة مع قوات الأمن من أجل الدفاع عن مصالحها الضيقة، ثمّ إن هذه الفئات الإجرامية وحتى المنحرفين العاديين تعرف جيدا أنه في حال دخولها السجن فهي على ثقة عمياء بأنها سيتم الإفراج عنها بواسطة العفو الرئاسي بمناسبة الأعياد الوطنية والرسمية.
خلاصة القول أن الأمن في تونس في الوقت الذي يحرص على محو الصورة السيئة التي علقت به في العهد السابق يسعى إلى تحقيق المصالحة وإعطاء صورة جديدة تتماشى ومبادئ الثورة، فإن شريحة من المواطنين لم تعد تعبئ بجهاز الأمن وتحرص على فرض قانون الغاب في معاملاتها من جهة والتعدي على قوات الأمن من جهة ثانية وهو ما قد تكون له عواقب وخيمة ويجعل الأمن يتغوّل من جديد ويستعيد أساليبه القديمة من أجل تحقيق ذاته في ظل هذا الظرف من الانفلات والتعدي عليه!!!
|
مهدي الزغلامي |