ما جد يوم أمس الأربعاء في إذاعة صفاقس ليس عاديا بكل المقاييس. فلأول مرّة في تاريخ الإذاعة منذ نشأتها منذ أكثر من خمسين سنة، تتولى مجموعة من الأشخاص الدخول عنوة إلى مقرات الإذاعة وخلق جو من البلبلة والهلع في نفوس العاملين في المؤسسة بدعوى وجوب تقديم اعتذارات على خبر اعتبره هؤلاء غير بريء وغير صحيح…
بعد محاولة تركيع التلفزة التونسية… الدور على إذاعة صفاقس |
ما جد يوم أمس الأربعاء في إذاعة صفاقس ليس عاديا بكل المقاييس. فلأول مرّة في تاريخ الإذاعة منذ نشأتها منذ أكثر من خمسين سنة، تتولى مجموعة من الأشخاص الدخول عنوة إلى مقرات الإذاعة وخلق جو من البلبلة والهلع في نفوس العاملين في المؤسسة بدعوى وجوب تقديم اعتذارات على خبر اعتبره هؤلاء غير بريء وغير صحيح.
وبالعودة إلى الأحداث فإنّ اقتحام مقرّ الإذاعة عنوة لم تكن عملية لا فردية ولا معزولة. فمنذ يوم الجمعة الماضي قامت إحدى الصفحات على الشبكات الاجتماعية، معروفة الميولات، بنشر خبر حول وجود حكومة ظلّ في إذاعة صفاقس مكونة من 5 رؤساء مصالح تحضر للانقلاب على المدير، الذي حسب ما ذكره المقال في الصفحة يعمل على تحقيق أهداف الثورة.
وتوعدت الصفحة هؤلاء بكشف "المستور" ثمّ نشر الموقع الرسمي لرابطة مجالس حماية الثورة بصفاقس سلسلة من المقالات خصها لهؤلاء المسؤولين الخمسة تضمنت أكاذيب وأراجيف مفضوحة، لكنها نجحت في خلق جوّ من البلبلة داخل المؤسسة.
كما نشرت نفس الصفحة دعوة إلى التجمع أمام مقر الإذاعة مساء السبت القادم للدعوة إلى تطهير الإعلام وعدم عودة التجمعيين إلى النشاط السياسي.
حادثة اقتحام الإذاعة جاءت في هذا الإطار وتزامنت مع ما تشهده الإذاعة الوطنية في تونس العاصمة من تجاذبات بخصوص قرار الرئيس المدير العام عدم الاعتراف بشرعية مجالس التحرير ووصفه بعض الصحفيين بأنهم من أزلام النظام السابق، مما يوحي بأنّ هناك مخططا جديدا لترويع وتركيع العاملين في الإذاعة التونسية مثلما كان الشأن مع التلفزة الوطنية خلال الأسابيع الماضية، وكأن بمساحة الحرية والاستقلالية التي تمكن العاملون في الإذاعة التونسية من كسبها أصبحت مهددة بالفعل.
بالأمس إذن اقتحمت مجموعة من الأشخاص ينتمون إلى رابطة مجالس حماية الثورة في صفاقس وهي هيكل لا يتمتع بأية شرعية قانونية ولا شعبية مقرّ الإذاعة، مطالبين بالاعتذار على خبر نقلته الإذاعة حسب مصدر لها حول تعرض مقر الولاية إلى الاحتلال من قبل مجموعة من المواطنين يتكوّن من بعض المئات من الأشخاص أصحاب متاجر خضر وغلال جاؤوا لمطالبة السلطة الجهوية باتخاذ قرار التصدي للانتصاب الفوضوي الذي أصبح يهددهم في رزقهم، إضافة إلى مجموعة من عمال شركة "السياب" ومجموعة ثالثة من شركة طينة للخدمات البترولية الذين يطالبون هم أيضا بتوفير الأمن للتصدى لظاهرة الاعتصامات، هذه الظاهرة التي تفشت في المدة الأخيرة وأصبحت تهدد تواصل العمل بالشركة.
مجموعة كبيرة من هؤلاء المحتجين توجهت إلى مكتب الوالي غير الموجود في المكتب وطالبت برحليه ورفعت شعار "ديقاج"، إلا أن مجموعة موالية للسلطة تحولت إلى مقر الولاية وتصدت للمطالبين برحيل الوالي وبعد ذلك توجهت إلى مقر الإذاعة للمطالبة بالاعتذار على ما ذكر في موعد إخباري نافين أن يكون المحتجين بالمئات وأنهم حسب مزاعمهم بضع عشرات فقط.
كما رفضوا الاقتصار على منحهم حقّ الرد الذي اقترحه عليهم العاملون في قسم الأخبار ومتشبثين باعتذار رسمي يذاع على الهوى مباشرة. ونظرا لاقتحام مقر الإذاعة من قبل هؤلاء الغرباء على المؤسسة قرر الصحفيون العاملون عدم بث نشرة أخبار الساعة الواحدة ظهرا احتجاجا على التعدّى على حرمة المؤسسة ومنددين بما يتعرض له زملائهم من تهديد صريح بما ينشر في الصفحة الرسمية لرابطة مجالس حماية الثورة بصفاقس.
ومن المتوقع أن يقوم اليوم العاملون في الإذاعة بضبط خطة تحرّك للتصدي لمثل هذه الظواهر التي أصبحت تهدد السلامة الجسدية للعاملين في الإذاعة، إضافة إلى محاولة القضاء على استقلالية المؤسسة في ظلّ عدم تحرك الإدارة المركزية والجهوية التي تحاول التقليص من أبعاد هذا الاقتحام لاعتبارات غير مفهومة.
والأكيد أن الأيام القادمة ستكون حبلى بالتطورات خاصّة وأن عديد منظمات المجتمع المدني تعتزم هي أيضا التحرك دفاعا عن استقلالية هذا المرفق العمومي، وما صدر عن نقابة الصحفيين والنقابة العامة للثقلافة والإعلام تؤكد أن ما تشهده الإذاعات التونسية ليس أحداثا معزولة بقدر ما هو مخطط ممنهج للتحكم في هذا الجهاز العمومي.
|
حافظ الشاذلي |