تفجرت قريحة أئمة صلاة الجمعة والوعاظ بعد الثورة فتراهم يثيرون القضايا السياسية الساخنة ويحاولون عبر خطابهم الديني جلب التعاطف إلى طرف سياسي دون غيره والذي يكون في الأغلب حركة النهضة ذات التوجه الإسلامي والتي تحكم البلاد في هذه الفترة الانتقالية الثانية. ..
تونس- أئمة صلاة الجمعة سياسيون أم دعاة مصلحون؟ |
تفجرت قريحة أئمة صلاة الجمعة والوعاظ بعد الثورة فتراهم يثيرون القضايا السياسية الساخنة ويحاولون عبر خطابهم الديني جلب التعاطف إلى طرف سياسي دون غيره والذي يكون في الأغلب حركة النهضة ذات التوجه الإسلامي والتي تحكم البلاد في هذه الفترة الانتقالية الثانية.
ولوحظ من خلال خطب بعض الأئمة أنهم لم يلتزموا بالحياد تجاه الفرقاء السياسيين في البلاد ولم تكن خطبهم في اغلب الأحيان تدعو إلى الوحدة الوطنية في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ تونس وإنما كانت خطب عدائية وتحريضية خاصة على الأحزاب المعارضة والإعلام العمومي.
وبالرغم من أن دور الأئمة الذي من المفترض أن يضطلعوا به هو الدعوة إلى الإسلام ونشر قيمه السمحة وحث التونسيين على أن يتسامحوا فيما بينهم ونشر ثقافة الإسلام الوسطي والمعتدل الذي لطالما عرفت به تونس، إلا أنهم حادوا عن مهامهم الأساسية واقتحموا عالم السياسة بطريقتهم الخاصة بعيدا عن أعين الصحافة والمراقبين.
وقد ساهم انتشار المساجد بكثرة في تونس وعدم مراقبتها بالشكل المطلوب من قبل وزارة الشؤون الدينية التي لم تستطع أن تتحكم في الأئمة والوعاظ وان تتعامل بحزم مع المخالفين والمحرضين رغم تحذيراتها المتكررة في فتح الباب واسعا أمام رجال الدين لنشر رسالة سياسية عبر خطاب ديني لاستقطاب شرائح هامة من المجتمع التونسي.
كما ساهم الانفلات الديني في تونس وسيطرة التيارات الإسلامية النهضة والسلفيين على المساجد وغياب خطاب ديني موحد علاوة على عدم وجود تنسيق بين سلطة الإشراف وأئمة صلاة الجمعة في استغلال المساجد في الدعاية الحزبية والتعبئة من أجل الفترات الانتخابية المقبلة.
ويشكل تدخل الأئمة في الشأن السياسي مع غياب الإرادة السياسية بتحييد بيوت الله خطرا حقيقيا على مستقبل الثورة باعتبار أن استمرار الأنظمة الدكتاتورية في العالم العربي كان بدعم من رجال الدين الذين يصيغون خطبهم الدينية حسب أهواء الحكام ومساعدتهم على السيطرة على شعوبهم باسم الدين.
وعلى وزارة الإشراف اليوم أن تتحمل مسؤلياتها وان تضع حدا للانفلات الديني الذي تشهده المساجد في تونس وان توجه رسالة شديدة اللهجة إلى الوعاظ الذين لم يسيطروا على مشاعرهم الخاصة لنشر خطاب ديني متشدد وعدائي يصل إلى حد الدعوة إلى قتل فنانين ومعارضين سياسيين وذلك من أجل مصلحة تونس والمساهمة في إنجاح الثورة وإيصالها إلى بر الأمان.
كما أن هذا الانفلات الديني من شانه أن يتسبب في إرباك النمط المجتمعي للشعب التونسي وفي تعكير المشهد السياسي بالإضافة إلى تهديده للمسار الديمقراطي الذي بدأت خطواته الأولى في تونس وذلك من خلال فرض نظام سياسي ديني واحد قد يعيدنا إلى زمن الدكتاتورية.
ولعل الدعوة إلى حوار وطني تشارك فيه كل الأطياف الدينية والأساتذة المختصين في الشأن الديني يعد من بين الحلول العاجلة لإرساء توجه ديني موحد يحظى باتفاق جميع الأطراف إلى جانب استعادة وزارة الشؤون الدينية مكانتها في الساحة الدينية وان تسيطر على أئمتها ووعاظها.
|
مريم التايب
|