توتّرت العلاقة في تونس بين رئاسة الجمهورية التي يتولاها الحقوقي المنصف المرزوقي وبين الحكومة التي يقودها حمادي الجبالي أمين عام حركة النهضة بسبب تنازع على الصلاحيات حول أحقيّة اتخاذ قرار تسليم رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي للسلطات الليبية…
تسليم البغدادي لليبيا يشعل أزمة سياسية بتونس |
توتّرت العلاقة في تونس بين رئاسة الجمهورية التي يتولاها الحقوقي المنصف المرزوقي وبين الحكومة التي يقودها حمادي الجبالي أمين عام حركة النهضة بسبب تنازع على الصلاحيات حول أحقيّة اتخاذ قرار تسليم رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي للسلطات الليبية.
ففيما يقول مسؤولون في الحكومة إنّ تسليم البغدادي إلى السلطات الليبية شرعي ومن مشمولاتها، ينفي المتحدث باسم رئاسة الجمهورية ذلك، معتبرا أنّ الحكومة تجاوزت صلاحياتها بعدما تجاهلت رأي الرئيس، الذي خوّل له القانون التدخّل في السياسة الخارجية بالتشاور مع الحكومة.
ولم تشهد العلاقة بين الرئاستين فتورا مثل هذا الحدّ منذ سقوط النظام السابق. إذ صعّدت رئاسة الجمهورية، لأوّل مرّة، من انتقاداتها للحكومة، وقرّرت التظلّم لدى المجلس التأسيسي لحسم الخلاف القائم، معتبرة أن قضية البغدادي من صلاحياتها باعتبارها تتصل بالسياسة الخارجية.
وحذّر الناطق باسم رئاسة الجمهورية عدنان منصر من تداعيات سلبية على الائتلاف الحاكم، الذي تقوده حركة النهضة مع حزبي "المؤتمر من أجل الجمهورية"، والذي كان يتزعمه المنصف المرزوقي، وحزب "التكتل"، الذي يقود مصطفى بن جعفر، رئيس المجلس التأسيسي.
وقال في تصريحات للتلفيزون الرسمي إنّ قرار تسليم البغدادي، مساء الأحد، دون علم وموافقة رئيس الجمهورية "خطيئة سياسية"، مشيرا إلى أنّ الخلاف "سيفتح الباب أمام أزمة سياسية في البلاد"، التي عاد إليها بعض الهدوء بعدما شابتها أعمال عنف في الأيام الأخيرة.
وأشار إلى أنّ الحكومة خرقت اتفاقا بين أحزاب الائتلاف الحكومي يقضي بتسليم البغدادي بعد الانتخابات الليبية لضمان توفر شروط المحاكمة العادلة، محمّلا رئيس الحكومة، الذي أمضى على قرار تسليم البغدادي، مسؤولية ما قد ينجرّ عنه من تهديد للحرمة الجسدية للبغدادي.
واستنكرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والجمعية التونسية لمناهضة التعذيب قرار تسليم البغدادي، معتبرة أنه يتنافى مع الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب التي صادقت عليها تونس، وحذرت من تبعات ذلك القرار على أمن البلاد وعلى سلامة البغدادي.
وكان المنصف المرزوقي، وهو حقوقي ترأس مطلع التسعينات الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، قد رفض تسليم البغدادي إلى ليبيا إلى أن تتهيأ ظروف المحاكمة العادلة في ليبيا وخشية من وقوع عمليات انتقام أو تشفي ضدّه من قبل بعض الثوار الليبيين.
لكن رئيس الحكومة حمادي الجبالي ردّ على موقف المرزوقي بقوله إنه سيسلّم البغدادي المحمودي إلى القضاء الليبي، حتى إن لم يوقع المرزوقي على قرار تسليم البغدادي، الذي تمّ اعتقاله في تونس منذ 27 سبتمبر 2011 بتهمة اجتياز الحدود خلسة.
ويقول مسؤولون بالحكومة إنّ قرار تسليم البغدادي لديه مرتكزات قانونية وإنسانية، مستبعدين حدوث انشقاق في الائتلاف الحكومي. وأكد سمير ديلو المتحدث باسم الحكومة ووزير حقوق الإنسان أنّّ عملية تسليم البغدادي "استوفت" جميع الشروط القانونية والحقوقية.
وقال إنّ رئيس الحكومة أمضى على قرار تسليم البغدادي استنادا إلى صلاحياته بموجب القانون التأسيسي المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلطات العمومية واستنادا إلى حكم قضائي صادر العام الماضي والقاضي بتسليم البغدادي، الذي يواجه تهما بإعطاء أوامر بالاغتصاب.
وعن تأثير الخلاف بين الرئاستين على تقارب أحزاب الائتلاف الحكومي، استبعد ديلو، وهو قيادي بحركة النهضة، حدوث انشقاق، قائلا أن "التوافق داخل الترويكا متواصل ولا وجود لأزمة".
من جهته، يقول نور الدين البحيري وزير العدل إنّ القضاء التونسي اتخذ قرار تسليم البغدادي بعد "توفر قرائن الإدانة وانتفاء أية صبغة سياسية لمطلب التسليم"، نافيا في الوقت ذاته وجود أي صفقة مع السلطات الليبية.
وأكد أنّ الحكومة قررت تسليم البغدادي بعدما تحققت اللجنة التونسية التي كلفت بالتأكد من مدى استجابة ظروف احتجاز البغدادي في ليبيا لمعايير شروط المحاكمة العادلة لفائدته.
وبشأن النزاع على الصلاحيات مع رئاسة الجمهورية، يقول البحري، وهو قيادي بحركة النهضة إنّ مجلة الإجراءات الجزائية في صيغتها القديمة "لا تعطي" لرئيس الجمهورية الحق في رفض تسليم اللاجئ.
|
خميس بن بريك |