بعد تراجع هامش الحريات بسبب التضييقات التي يتعرض لها الفنانون والمبدعون والإعلاميون سواء من قبل التيارات الإسلامية المتشددة أو من النيابة العمومية والقضاء أو من قبل أعضاء من الحكومة المؤقتة أضحى مستقبل حرية التعبير في تونس موضع شك سيما وأن غموضا يلف مصير الدستور الجديد للبلاد وسط معلومات عن رغبة حركة النهضة في دسترة تقييد الحريات باسم المساس بالمقدسات أو بالنظام العام، حسب راي بعض المراقبين…
تونس- تواصل التضييقات على الفنانين والمبدعين إلى متى؟
|
بعد تراجع هامش الحريات بسبب التضييقات التي يتعرض لها الفنانون والمبدعون والإعلاميون سواء من قبل التيارات الإسلامية المتشددة أو من النيابة العمومية والقضاء أو من قبل أعضاء من الحكومة المؤقتة أضحى مستقبل حرية التعبير في تونس موضع شك سيما وأن غموضا يلف مصير الدستور الجديد للبلاد وسط معلومات عن رغبة حركة النهضة في دسترة تقييد الحريات باسم المساس بالمقدسات أو بالنظام العام، حسب راي بعض المراقبين.
وفي ظلّ هذه الفوضى التي تتخبط فيها تونس منذ أكثر من سنة ونصف يجد المبدع نفسه أمام 3 خيارات إما أن يعمل وسط تهديدات تصل إلى حدّ القتل كما هو الشأن بالنسبة للفنان لطفي العبدلي الذي يواجه لوحده هجومات شرسة من قبل محسوبين على التيار السلفي في كل مكان يحل به لعرض مسرحيته أو أن يتعرض إلى السجن على غرار ما حدث في قضية معرض الصور بالعبدلية أو بسبب عرض سلسلة "اللوجيك السياسي" على قناة "التونسية".
أما الخيار الثاني فهو أن يعمل وفق أهواء من هم أقوى منه وهو ما قد يشوه العمل الفني والإبداعي ويفرغ من محتواه الأصلي وإما أن يكتفي بالصمت وهذا الخياران قد يهددان مسار الحريات في تونس بعد الثورة وقد يتسببان في إجهاض كل المحاولات والنضالات التي تتعلق بدسترة حرية التعبير والصحافة وقد تؤدى سلبية بعض الفنانين والمبدعين واستكانتهم إلى الأمر الواقع تراجع المشهد الثقافي إلى ما قبل الثورة.
كما أن تصريحات عدد من أعضاء الحكومة المؤقتة سيما المستشار السياسي لرئيس الحكومة لطفى زيتون ضد الإعلاميين والصحفيين قد تساهم في تأجيج الرأي العام عليهم دون التفريق بين الغث والسمين منهم والذي قد يلجا إلى معاقبتهم بطريقته الخاصة وذلك إما بالتعرض إلى حياتهم الشخصية وتلفيق الأكاذيب كما يحدث على صفحات الفايسبوك أو بتقديمهم إلى المحاكمة إذ عمد احد المحامين المعروف بتقربه من حركة النهضة برفع قضية ضد برنامج "التمساح" الذي حقق أكثر نسبة مشاهدة في شهر رمضان.
إذا فواقع حرية الإبداع والتعبير في تونس غير مهدد بالدستور فقط وإنما بالممارسات "الشيطانية" لأياد خفية ومعروفة لا هدف لها سوى إجهاض الثورة التونسية ومحاولة الهاء الشعب التونسي عن قضاياه الحقيقية التي لطالما يتناولها الفنانون والصحفيون عبر بث الفتن والشكوك في هؤلاء المبدعين بتكفيرهم أمام الرأي العام أو بارتباطهم بالقوى الاستعمارية او بالنظام السابق.
وهنا نذكر ما تعرض له المفكر التونسي المعروف يوسف الصديق من تهديدات وتضييقات من قبل إسلاميين وكذلك بعض الوجوه الإعلامية والأدبية والفنية المعروفة واستغلال الفاسبوك لشتم وسب الفنانين والتشهير بهم إلى جانب حادثة الاعتداء بالسيوف على مثقفين نظموا مهرجانا حول فلسطين بمدينة بنزرت استضافوا خلاله عميد الأسرى سمير القنطار المقرب من حزب الله.
وأمام صمت حكومي سيما من قبل وزارتي الثقافة والداخلية على هذه الممارسات وتورطها في عدد منها هنا نذكر مواقف هذه الأطراف المتسرعة من قضية قصر العبدلية، فإن مستقبل الحريات في تونس لا يهدده فقط الدستور القادم وإنما ضعف مؤسسات الدولة وتعاملها مع الفنانين بطريقة فيها نوع من الإجحاف والعنصرية.
قد انتقدت منظمات وطنية ودولية تعامل الحكومة المؤقتة مع هذا الملف وطالبتها بحماية المثقفين وضمان حرية التعبير كأولوية قصوى في هذه المرحلة الانتقالية من تاريخ تونس في حين تتعالى أصوات هؤلاء سواء عبر نقاباتهم أو أعمالهم الفنية للمطالبة بالحرية لا غير كسبيل وحيد نحو إرساء الديمقراطية في تونس وترسيخ دولة المؤسسات على ارض الواقع.
وكان آخر بيان منظماتي صدر عن منظمة "هيومن رايتس" دعت فيه النيابة العمومية إسقاط التهم الموجهة إلى الفنانين التشكيليين بسبب الأعمال الفنية التي عرضت بقصر العبدلية التي اعتبرها البعض تهديدا للنظام العام والأخلاق الحميدة، معتبرة أن محاكمة فنانين بتهم جنائية بسبب أعمال فنية ليس فيها تحريض على العنف أو التمييز هو انتهاك لحرية التعبير.
ويواجه محمد بن سلامة ونادية الجلاصى أحكاما بالسجن تتراوح بين 6 أشهر و5 سنوات وغرامة مالية حسب الفصل 121 من المجلة الجزائية وقالت الجلاصى "إن وزارة الثقافة لم تساندها بالرغم من أنها جامعية وفي أعلى الرتب العلمية".
|
مريم التايب
|