اقترب موعد 23 أكتوبر 2012 وهو الموعد الذي تعهد به 11 حزبا يوم 15 سبتمبر 2011، ومن بنيها “الترويكا” لإنهاء دستور جديد للبلاد يكون ضامنا للقانون والحريات ويرسم ملامح المسار الديمقراطي…
هل تجني حركة النهضة ما جناه الحزب الحاكم السابق بسبب تعنته وغبائه؟ |
اقترب موعد 23 أكتوبر 2012 وهو الموعد الذي تعهد به 11 حزبا يوم 15 سبتمبر 2011، ومن بنيها "الترويكا" لإنهاء دستور جديد للبلاد يكون ضامنا للقانون والحريات ويرسم ملامح المسار الديمقراطي.
ولكن حركة النهضة الإسلامية ومن خلال مواقفها وقراراتها حادت عن أهداف الثورة الحقيقية في انتكاسة لا يمكن نكرانها في هذه الفترة الانتقالية والمصيرية من تاريخ تونس.
وبالعودة إلى الماضى وبالتحديد قبل انتخابات المجلس التأسيسي بشرت النهضة من خلال خطاب ديني وثوري بالتغيير الذي لخصه التونسيون فى شعار "شغل حرية كرامة وطنية" ونجحت من خلال هذا الخطاب في استقطاب مليون ونصف ناخب مكنتها أصواتهم من الصعود إلى الحكم.
ونادت الحركة بتطهير البلاد من الفساد والمحسوبية والقضاء على ظاهرة التعذيب وتغول الجهاز الأمني واستقلال القضاء والإعلام وتحقيق التنمية العادلة، بالإضافة إلى الخروج بدستور ثوري يطلق الحريات ويضمن حقوق الإنسان في الحياة والصحة والتعبير والعيش الكريم.
فكانت وعودها كثيرة وصعبة التحقيق باعتبار الوضعية الكارثية التي تعيشها البلاد على المستويين الاجتماعي والسياسي، في الوقت الذي كان يتعطش فيه التونسيون إلى القطع مع الماضي وإرساء نظام ديمقراطي وتحسين مستوى العيش والقضاء على البطالة والفقر والتفاوت التنموي بين الجهات.
ولكن مباشرة بعد الانتخابات بدأت حركة النهضة في تغيير مواقفها فكانت البداية مع تشكيل حكومة تتكون من العشرات من الوزراء وكتاب الدولة والمستشارين، بالإضافة إلى الإبقاء على عدد من المسئولين السامين التجمعيين، بينما تعانى تونس من تدهور الوضع الاقتصادي.
كما دار جدل واسع حول الفصل الأول من الدستور المتعلق بهوية الجمهورية التونسية وتطبيق الشريعة الإسلامية وخلف أزمة سياسية في البلاد حتى داخل "الترويكا"، بالإضافة إلى نشوب أحداث عنف في مظاهرة غير مرخصة لسلفيين بشارع الحبيب بورقيبة أو ما يعرف بـ"غزوة المنقالة" وقد أجبرت الحركة على التراجع في موقفها بضغط من حليفتيها في الحكم.
وتسببت النهضة من خلال مقترحها حول الفصل الأول في تقسيم الشارع التونسي وبث الفتنة بين المواطنين ولتطفو على السطح ولأول مرة في تونس مسالة الطائفية والتصادم الفكري بين متشددين ومعتدلين وصل في بعض الأوقات إلى العنف الجسدي والمعنوي، مما يثير تخوفات من مستقبل تونس خاصة فيما يتعلق بالتوظيف الديني وتداخله في شؤون الدولة سيما مع تعدد الخطابات والانفلات في المساجد ونشر بعض الأئمة والشيوخ لخطابات عدائية وتحريضية.
كما أن تعامل النهضة بتساهل مع التيار السلفي المتشدد أثار استياء من قبل الشارع التونسي تخوفا من تغول التيار المتشدد وفي أن تتحول ثورة الحرية والكرامة إلى "ثورة إسلامية".
ويعتقد الملاحظون أن علاقة النهضة بالسلفيين هي علاقة مصلحية وانتخابية حتى أن راشد الغنوشي رئيس الحركة وعدد من قيادات الحركة كانوا من اشد المدافعيين عن السلفيين ووصفوهم بأنهم يبشرون بثقافة جديدة.
وقد كان لموقف الحركة تداعيات خطيرة على تونس فالعنف السلفي يتزايد يوما بعد يوم ليتنهي مؤخرا باقتحام وحرق السفارة الأمريكية احتجاجا على فيلم مسيئ للرسول صلى الله عليه وسط إجراءات أمنية هشة سمحت للسلفيين بدخول السفارة والذين جاؤوا مشيا على الأقدام من جامع الفتح بعد صلاة الجمعة.
ويعتقد ملاحظون أن تجييش أئمة الجمعة للمصلين خاصة في جامع الفتح أمام أعين وزارة الشؤون الدينية والجلسة العامة التي عقدها المجلس التأسيسي الخميس ودعا خلالها النواب إلى التظاهر قد كانتا وراء مزيد تأجج مشاعر المتظاهرين بالإضافة إلى تورط قيادات سلفية في الحادثة.
ويبدو أن حركة النهضة قد وجدت نفسها اليوم في مأزق جراء قراراتها الخاطئة وتفردها بالرأي بحجة الشرعية الانتخابية بالرغم من أن هذه المرحلة التي تمر بها تونس تحتاج إلى وفاق وطني والانكباب على أهم مطالب الثورة وعليها أن تجد الحلول من اجل إنقاذ البلاد من براثن الإرهاب ومن تدرى الوضع الاقتصادي والاجتماعي والأمني.
أما الحرب التي فتحتها حركة النهضة مع الإعلام والقضاء فقد كانت وبدون شك تهدف إلى السيطرة على هذين الجهازين الأساسيين فى عملية الانتقال الديمقراطي عكس ما كانت تروج له بأنها ستطهرهما من رموز النظام السابق والدليل على ذلك تعيينها لمسؤولين تجمعيين في عدد من وسائل الإعلام العمومية، وسط رفض تام للصحفيين، إضافة إلى الكشف عن امتلاك قيادي في الحركة (يقود الحملة ضد الإعلام) بامتلاكه لقناتين تلفزيتين.
كما دار جدل واسع بين القضاة وزير العدل نور الدين البحيرى حول استقلال هذا الجهاز الذي كان في السابق يستخدم ضد المعارضة والصحافة بالخصوص ولم يتمكن المجلس التأسيسي من إيجاد حل وسطي لإنهاء هذا الجدل الذي طال، واتهم خلالها القضاة بان الحكومة المؤقتة تسعى إلى السيطرة على القضاء وترفض استقلاله بالكامل عن السلطة التنفيذية لغايات حزبية وانتخابية.
وعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي لم تكن حركة النهضة في مستوى انتظارات الشارع التونسي والتساؤل هنا هل أن تخاذل الحكومة في هاتين المسألتين هو بسبب نقص خبرة أعضاء الحكومة أم لأغراض انتخابية مستقبلية أم بسبب تباين وجهات النظر بين "الترويكا"؟
كما تعاملت مع ملفات الفساد بطريقة غامضة ومشبوهة إذ أنها اقتصرت في ذلك على ملفات عادية داخل عدد من الوزارات أغلبها تتعلق بتجاوزات إدارية دون أن تقوم بإصلاح المنظومة الإدارية وتحييدها عن العمل الحزبي.
ولم تفتح الحركة ملفات الفساد الكبرى سيما في صفوف رجال الأعمال وكان تورطها المشتبه فيه في إعادة فتح قضية شركة "كاكتوس" يهدف حسب الملاحظين إلى إسكات برامج قناة التونسية التي تميزت بانتقاد حركة النهضة.
فعلي حركة النهضة وبقية الفاعلين السياسيين أن يعوا جيدا أن الثورة التونسية ليست ثورة كراسي أو ثورة لفتح الإسلام فيها بلد مسلم بالأساس وإنما هي ثورة ضد الفقر والبطالة والتهميش والإقصاء وضد الدكتاتورية والفساد، وأن النية لافتكاك السلطة أمر غير متاح خصوصا مع ضعف الأجهزة الأمنية وارتفاع حدة الغليان الشعبي، وهو ما يعني أن حركة النهضة إذا واصلت في التركيز على حملتها الانتخابية سابقة الأوان والتفكير فقط في الكراسي والسلطة وجني المال دون حماية المؤسسات وإصلاح الأوضاع ووضع مقومات دولة مدنية معاصرة، قد تجني ما جناه الحزب الحاكم السابق بسبب تعنته وغبائه.
|
مريم التايب |