اتخذت الحكومة التونسية تعزيزات أمنية خشية تدهور الأمن بحلول 23 أكتوبر الحالي، التاريخ الذي كان مبرمجا لإنهاء عمل المجلس التأسيسي وكتابة الدستور، في الوقت الذي مازالت الأوساط السياسية منقسمة حول تحديد خارطة الطريق السياسية دقيقة.
تونس- تعزيزات أمنية خشية تدهور الأمن في 23 أكتوبر في ظل تجاذبات سياسية
|
اتخذت الحكومة التونسية تعزيزات أمنية خشية تدهور الأمن بحلول 23 أكتوبر الحالي، التاريخ الذي كان مبرمجا لإنهاء عمل المجلس التأسيسي وكتابة الدستور، في الوقت الذي مازالت الأوساط السياسية منقسمة حول تحديد خارطة الطريق السياسية دقيقة.
ودفع الجيش بتعزيزات عسكرية إلى وسط العاصمة، حيث عادت الأسلاك الشائكة من جديد،في خطوة أعادت إلى الأذهان نزول الجيش إلى الشارع عقب سقوط النظام السابق. وكثفت وحدات الجيش من تواجدها لحماية سفارة السفارات ومقرات الأحزاب والمؤسسات العمومية والمقرّ المركزي للاتحاد العام التونسي للشغل، ومقر المجلس التأسيسي وغيرها.
وتخشى الأوساط السياسية دخول البلاد في أعمال عنف بالنظر إلى التجاذبات السياسية المرتبطة بالموعد المذكور، حيث هناك من يرى أن تاريخ 23 أكتوبر يعني إنتهاء الشرعية الإنتخابية الحالية ويدعو الى دعمها بشرعية توافقية، فيما ترى أحزاب الإئتلاف الحاكم أن الشرعية الإنتخابية قائمة وأن كل من يشكك فيها يعرض الأمن والإستقرار في البلاد للخطر.
وينتظر أن تشهد البلاد يوم الثلاثاء المقبل مظاهرات إحتجاجية وأخرى مضادة على خلفية السجال السياسي القائم وما رافقه من دعوات لـ"تطهير الإدارة من بقايا النظام السابق"، تسببت في مواجهات أسفرت عن قتيل في مدينة تطاوين في أقصى الجنوب التونسي ما زالت تداعياتها لم تنته بعد.
ومحاولة لتفادي سقوط البلاد في موجة من العنف وتدهر الأمن طرحت الحكومة الائتلافية خارطة سياسية لإجراء الانتخابات في جوان المقبل، وقالت إنه مقترح قابل للتعديل، بينما رأت المعارضصة أن الموعد غير ملائم.
ويرى سياسيون تونسيون، أن حركة النهضة الإسلامية التي الإئتلاف الحاكم عزلت نفسها بمقاطعتها أعمال المؤتمر الوطني للحوار الذي دعا إليه الإتحاد العام التونسي للشغل، من اجل ايجاد حل توافقي حول خارطة الطريق السياسية.
وانتقد السياسيون بشدة، النقاط التي طرحتها حركة النهضة الإسلامية لتبرير مقاطعتها مؤتمر إتحاد الشغل للحوار الوطني الذي شارك فيه أكثر من 50 حزبا سياسيا، و22 منظمة وجمعية أهلية، والعديد من الشخصيات السياسية الوطنية.
وشددوا على أهمية الحوار للخروج من المأزق الذي بدأ يلف الوضع في تونس، منذرا بكل المخاطر نتيجة تأزم الوضع السياسي وتدهور الوضع الإقتصادي وتفاقم المشاكل الإجتماعية في البلاد.
وقالت مية الجريبي الأمينة العامة للحزب الجمهوري ليونايتد برس أنترناشونال، إن حركة النهضة الإسلامية بمقاطعتها أعمال المؤتمر الوطني للحوار تكون بذلك قد "عزلت نفسها لأنه لا أحد يقف إلى جانب من يرفض الحوار".
وأعربت في هذا السياق عن إستغرابها من هذه المقاطعة، وقالت "إن من يدعو إلى الحوار ويرفع شعار التوافق وضرورة لم الشمل.. من المفروض أن يشارك في الحوار عندما يُدعى إليه".
وكان المؤتمر الوطني للحوار الذي دعا إلى تنظيمه الإتحاد العام التونسي للشغل شارك في أعماله الرئيس التونسي المؤقت منصف المرزوقي، ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر، ورئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي.
وأجمع الرؤساء الثلاثة (المرزوقي وبن جعفر والجبالي) خلال المؤتمر على ضرورة التمسك بالوحدة الوطنية والبحث عن وفاق وطني يعترف بالشرعية ويدعمها ونبذ الخلافات لإنجاح المرحلة الانتقالية.
وقاطعت حركة النهضة الإسلامية وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، أعمال المؤتمر الوطني للحوار الذي عُقد تحت شعار"الحوار الوطني دعامة للوحدة الوطنية"، فيما حضره حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، وذلك في خطوة وُصفت بأنها مقدمة لـ"تصدع الإئتلاف".
وبرّرت حركة النهضة الإسلامية المقاطعة بالقول إنها ترفض الجلوس على مائدة الحوار مع أطراف تدعو إلى الإنقلاب الشرعية الإنتخابية، وأخرى تسعى إلى محاولة إعادة إنتاج الحزب الحاكم سابقاً، أي التجمع الدستوري الديمقراطي الذي تم حله بأمر قضائي.
غير أن غالبية القوى السياسية رأت أن هذا التبرير "غير مقنع"، باعتبار أنه ليس هناك مَن يدعو إلى الإنقلاب على الشرعية الإنتخابية، وكل ما في الأمر أن هناك بعض الأحزاب ترى أن هذه الشرعية التي يفترض أن تنتهي في 23 أكتوبر الجاري "يتعيّن دعمها بشرعية توافقية".
وقالت الجريبي إن "من يدعي السعي إلى التوافق الوطني، من المفروض أن يفتح الباب أمام كل الفرقاء للحوار، وبالتالي الجلوس إلى مائدة الحوار لما فيه المصلحة العليا للوطن بعيدا عن الحسابات والمصالح الحزبية الضيقة".
وأعربت في هذا السياق عن آسفها لأن "من عانى من الإقصاء والتهميش سابقا، نراه اليوم يمارسه بشكل آخر"، وذلك في إشارة إلى حركة النهضة الإسلامية برئاسة راشد الغنوشي.
ولئن دعت مية الجريبي إلى إنتهاج خط الوفاق والتسامح، والإحتكام إلى صناديق الإقتراع، فإن أحمد إبراهيم، الأمين العام لحزب المسار الديمقراطي الإجتماعي شدد على أن تونس اليوم "بحاجة إلى توافق وطني، ولا يمكنها أن تواصل الفترة المقبلة أي بعد 23 أكتوبر بالطريقة المتبعة حاليا".
وقال إنه "يتعين التخلي عن الإستفراد بالرأي والقرار، وإستبداله بالتعاون من أجل بلورة أرضية مشتركة من شأنها تعبيد الطريق نحو حلول توافقية تمكن من إنجاح المرحلة الإنتقالية والإنتخابات المقبلة".
ويشاطر سمير الطيب النائب بالمجلس التأسيسي هذا الرأي، حيث قال لوكالة "إن تونس بحاجة أكثر من أي وقت مضى، إلى حوار وطني جدي وصريح".
وأعرب في المقابل عن أسفه من المحاولات التي جرت لإفشال الحوار، معتبرا أن الذين قاطعوه "سيندمون"، ذلك أنه لا يوجد أي مبرر لهه المقاطعة، بإعتبار أن كل حوار وطني يتعيّن ألا نكبله ونقيده بشروط مسبقة، بل أن وضع الشروط هو دليل على الفشل"، على تعبيره.
ووصف الطيب موقف حركة النهضة الإسلامية الذي طرحته لتبرير مقاطعتها بـ"المهزلة"، وإعتبر أن السبب الأصلي لغياب النهضة "يعود إلى مسألة تحييد وزارات السيادة، وهي مسألة مرتبطة بمضمون هذا الحوار، ونعلم جميعا أن حركة النهضة ترفض التخلي عن وزارات السيادة".
وتمحور مؤتمر الحوار الوطني حول إيجاد أرضية للتوافق حول عدد من القضايا السياسية الخلافية، منها التمسك بمدنية الدولة وبالنظام الجمهوري الديمقراطي وإحترام حقوق الإنسان وضمان الحريات العامة والفردية، ونبذ العنف والتصدّي لظاهرة الإرهاب، بالإضافة إلى تحييد الإدارة والمساجد والمؤسسات الإقتصادية والتربوية والجامعية عن كل نشاط حزبي.
كما تمحورت أعمال المؤتمر حول إيجاد أرضية مشتركة للتوافق حول خارطة طريق للمرحلة المقبلة تتضمن تحديد تاريخ الإنتهاء من كتابة الدستور الجديد، وطبيعة النظام السياسي الذي سيتم اعتماده في الدستور (رئاسي أو برلماني)، وتحديد تاريخ تنظيم الإنتخابات المقبلة الرئاسية منها والتشريعية إلى جانب قانون الانتخابات وعدد من الهيئات الدستورية في مقدمتها هيئة مستقلة تناط بها مهمة الاشراف على الانتخابات.
وبحسب شكري بلعيد الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، فإن الحوار هو المدخل الأساسي لإخراج تونس من هذه الأزمة السياسية المفتوحة التي تسببت فيها حكومة "الترويكا" التي تقودها حركة النهضة الإسلامية.
ولكنه أعرب عن خشيته من أن "بعض الأطراف تتمسك بالكرسي على حساب تونس، وتتمسك بمصالحها الحزبية على حساب المصالح الوطنية العليا، وتعرض البلاد للخطر بسياسة إنفرادية تقوم على فرض الأمر الواقع"، على حد قوله.
وقال إن الجميع ينتظر من تلك الأطراف التي يذكرها بالإسم "الجرأة للإعتراف بأخطائها والوقوف عند حدود الأزمة وكيفية الخروج منها، ولكن لسوء الحظ هناك من لم يستوعب ذلك بعد".
وأيا كانت آراء ومواقف القوى السياسية من مسألة الحوار الوطني التي ما زالت تلقي بظلالها على المشهد السياسي التونسي، فإن إجماعا يسود الأوساط السياسية مفاده أن تونس تمر الآن بمرحلة فاصلة لم تعد فيها قادرة على تحمل المزيد من الغموض بشأن خارطة الطريق التي ستُحدد معالم ما تبقى من المرحلة الإنتقالية الثانية على شارفت على الإنتهاء.
|
وكالات
|