غابت التغطية الإعلامية لمناسك الحج لهذه السنة ولم توفد وزارة الشؤون الدينية مع الوفد الرسمي سوى ممثلا إعلاميا عن التلفزة الوطنية الذي اهتم بأداء مناسك الحج أكثر من أداء مهنته، وكانت مراسلاته الهاتفية بعيدة كل البعد عن الواقع، فكانت الأخبار من هناك شحيحة متناقضة لم تعكس الأوضاع الصعبة التي عانى منها الحجاج التونسيون…
الإعلام التونسي بين المسؤولية والانتهازية |
غابت التغطية الإعلامية لمناسك الحج لهذه السنة ولم توفد وزارة الشؤون الدينية مع الوفد الرسمي سوى ممثلا إعلاميا عن التلفزة الوطنية الذي اهتم بأداء مناسك الحج أكثر من أداء مهنته، وكانت مراسلاته الهاتفية بعيدة كل البعد عن الواقع، فكانت الأخبار من هناك شحيحة متناقضة لم تعكس الأوضاع الصعبة التي عانى منها الحجاج التونسيون.
كما تبادر إلى ذهن التونسيين يوم العيد فيديو لعائلة الرئيس السابق زين العابدين بن علي بث على قناة "حنبعل" قبل الثورة، بعد أن بثت هذه القناة فيديو يصور عائلة راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة وهي تحتفل بالعيد الأضحى المبارك.
قناة تلفزية أخرى كانت محظورة أيام المخلوع وعرفت قبل الثورة بنزاهتها وبوقوفها إلى جانب الفقراء والمهمشين تصطف اليوم وراء حزب سياسي ولتسقط في فخ الدعاية السياسية والتي تعد من أقوى أدوات الدعاية السياسية المجانية كيف لا والتلفزيون يدخل كل بيت تونسي في الريف وفي المدينة.
هذه نماذج لما يشهده القطاع يوميا بين مسؤولية الإعلام وانتهازيته خيط رفيع وقد يزيد غياب القوانين المنظمة للصحافة والإعلام في صعود الأصوليين والمتلونين على حساب الشرفاء وليكون الإعلام هو الأداة الأولى لإعادة تصنيع الدكتاتورية.
ويمكن للفوضى في قطاع الإعلام أن تهز ثقة المواطن في الإعلام الوطني والذي أصبح لا يفرق بين الخبر الصحيح والخبر الخاطئ ويصبح رهين الإشاعة وتفرض عليه آراء وأفكار عن طريق التلاعب بمشاعره كما كان يحصل في السابق على غرار بث التقارير التي تمجد الحزب الحاكم وتهاجم معارضيه إلى جانب التلاعب بالمسالة الأمنية والصحية والغذائية.
فالإعلام ورغم أن أغلبية جسمه يطالب بالاستقلالية والحرية فان جزء آخر مستعد لقبول المهام القذرة ولذلك فإن دعم حرية الإعلام والصحافة اليوم يعد من أهم الأولويات التي يجب أن تطبق على ارض الواقع قبل البدء في المرحلة القادمة من تاريخ تونس وذلك لحماية الثورة من التحريف والسرقة ولضمان حق المواطن في معلومة صحيحة خالية من أي حسابات سياسية.
وعلى الإعلامي أن يكون مسؤولا وصادقا ويغلب المصلحة العليا للوطن على انتماءاته الحزبية حتى وإن كانت افتراضية وأن لا يتاجر بالثورة وبشهدائها ولعل ما نشاهده اليوم من انتشار صحف أقل ما يقال عنها بأنها صحف الماجرى واستمرار صحف أخرى كانت في السابق تتاجر بهذا الشعب من أجل حفنة من الأموال يتمتع بها أصحاب الصحيفة الذين عادة ما يكون جشعين يعاملون الصحفيين كأنهم عمال حضائر.
ويبقى الإعلام العمومي حبل النجاة الوحيد الذي يتشبث به التونسي حتى يستطيع أن يرى الحقيقة كاملة وبدون "رتوش" أو عبث بعد أن حررت الثورة عقول الصحفيين وضمائرهم وبعد أن صودرت لسنوات كثيرة من قبل السياسيين.
ولكنه بالرغم من دوره الهام في إنارة الرأي العام وتحقيق التوازن داخل المشهد السياسي فان الإعلام وعلى المستوى المؤسساتي والتنظيمي مازال مهددا ومهمشا طالما أن لا قوانين تحكمه وتحمي صحفييه من استغلال السلطة التنفيذية التي مازالت وللأسف تتعامل مع الإعلام العمومي بثقافة "رزق البيليك" وهو ما يدعو إلى مزيد الضغط حتى تتحقق استقلالية الإعلام.
وكما للسياسيين اليوم دور في تحقيق أهداف الثورة فإن السلطة الرابعة تبقى العين الحارسة للثورة والرقيب الجريء لهؤلاء السياسيين الذين من المفروض أن ينتخبهم الشعب لإدارة البلاد وتحقيق مطالبه لا أن يستغلوا تلك الثقة لأغراض حزبية أو حتى شخصية ومادية وعلى الصحفيين والإعلاميين أن يلفظوا كل خائن لهذه المهنة.
|
مريم التايب |