لنقترض جدلا أن حزب حركة نداء تونس هو مثلما يروج له مناهضوه مجموعة فاسدين وبقايا النظام السابق وأزلامه من اليسار الانتهازي وفاسدي حزب التجمع القديم، وعندئذ لا شيء يمنع بتاتا من رفع دعوى عدلية ضده وتطبيق قانون الأحزاب عليه ومنعه من النشاط بكل وضوح وكفى الله المؤمنين شر القتال…
تونس: إلى أين سيأخذنا الإقصاء السياسي بعد أحداث جربة؟ |
لنقترض جدلا أن حزب حركة نداء تونس هو مثلما يروج له مناهضوه مجموعة فاسدين وبقايا النظام السابق وأزلامه من اليسار الانتهازي وفاسدي حزب التجمع القديم، وعندئذ لا شيء يمنع بتاتا من رفع دعوى عدلية ضده وتطبيق قانون الأحزاب عليه ومنعه من النشاط بكل وضوح وكفى الله المؤمنين شر القتال…
ولكن هذا لم يتم إلى حد الآن وهذا الحزب في الوقت الحاضر له نفس الحقوق والواجبات التي تتمتع بها حركة النهضة وغيرها من الأحزاب ولا يحق لأية جهة مهما كانت أن تمنع هذا الحزب من النشاط باستعمال العنف وتحت مسميات شتى لا تملك الجهات هذه أية شرعية في ادعائها…
ونحن إزاء ما حدث في جزيرة جربة لسنا في الحلقة الأولى من مسلسل تركي تافه ولكننا أمام سلسلة من الاعتداءات المنظمة والممنهجة والمعد لها سلفا وفي وضح النهار وأمام أعين قوات الأمن وباعتراف مرتكبي هذه الاعتداءات بكل صلف مثلما وقع في قليبية وصفاقس وتطاوين وتونس العاصمة وفي غيرها من المدن كلما حاولت حركة نداء تونس التحرك في الشارع…
ولا يطال هذا التصرف حركة نداء تونس إلا لاستشعار جمع من المناهضين لها وخاصة في حركة النهضة وفي المنظمات الدائرة في فلكها وفي فلك أحزاب أخرى مثل شق من حزب المؤتمر استشعارها أن العمل التعبوي الذي تقوم به نداء تونس يلقى صدى لدى عدد يتزايد من الجمهور ولتواتر كل عمليات سبر الآراء منذ الصيف الماضي لتعطي لحركة نداء تونس هذا الكم الهائل من الأنصار الذي يجعلها تتبوأ بجدارة المرتبة الثانية في كل الاستطلاعات مهددة هيمنة اليمين الإسلامي وحلفائه على الساحة السياسية. وهذا فعليا ما يخيف خصوم حركة نداء تونس وما يجعل دوائرهم الخفية والظاهرة تجيش باستمرار ضد الحركة دون الشعور بأن هذا التصرف الإقصائي المستمر هو بصدد تقوية الحركة ودون النظر إلى ما يمكن أن يترتب عن هذا العنف السياسي من عواقب وخيمة على البلاد.
وتأتي رابطات حماية الثورة التي عرفنا نشاطاتها مؤخرا ضد إتحاد الشغل لتحمل المشعل الأول في كل التحركات ضد حركة نداء تونس ومرة أخرى يندفع قادة حركة النهضة دون مواربة للدفاع عما حدث والبحث عن الأعذار من قبل ما ذهب إليه عامر العريض وهو المسؤول السياسي الرفيع في النهضة إلى القول بأن اليوسفيين هم الذين تصدوا للباجي قايد السبسي لتصفية حساب سياسي قديم. وعلاوة على أن تصفية هذا الحساب إن وجد لا يسمح لأحد بمنع أحد آخر من النشاط السياسي فإن عائلة الزعيم صالح بن يوسف قد أعلنت عن استهجانها لمثل هذه التبريرات وزج اسم وسمعة بن يوسف في مشاحنات سياسية لا دخل له فيها لا اليوم ولا البارحة…
كل يوم يمر تزداد المخاوف بجدية من داخل البلاد ومن خارجها من المنحدر السحيق الذي تجرنا إليه الوضعية السياسية الحالية وتكرر الأخطاء والتصرفات غير القانونية وغير الأخلاقية لشق من الائتلاف الحاكم …ويزداد في الحين نفسه الشعور بتطابق ما يحدث في مصر وفي تونس جراء السياسية نفسها التي يعتمدها الحاكمون هنا وهناك وهم من نفس العائلة القكرية. فخلافا لتصريحاتهم المتكررة وإعلاناتهم المتعددة بتمسكهم بالحرية وبقواعد اللعبة الديمقراطية نرى التيارات الإسلامية تعمل جاهدة على عدة مستويات لهدف واحد فقط وهو الامساك بالسلطة وعدم تقاسمها بأي شكل من الأشكال وعدم السماح لأي نفس معارض ما لم يكن جنينيا بالتواجد معها على الساحة وذلك بسد كل المنافذ السياسية وعلى الصعيد المجتمعي وباستعمال الدين والمساجد، هذا في الإطار المؤسساتي والقانوني وهي في الآن نفسه تفسح المجال للتيارات المتشددة وحتى الجهادية بإطلاق يدها في العمل السري والتجييش والتسلح وحتى الإرهاب مثلما حدث مع المجموعات التي يبحث الأمن التونسي عنها بعد والتي ما كان لها أن تتواجد أصلا لولا ما سبقها من تهيئة ومن تقليل من الخطر السلفي ومن عمق تهديده للحرية والديمقراطية التي لا يؤمن بها أصلا لا بل ويكفرها…
إن ما حدث في جربة نذير شديد الأهمية لما نحن ذاهبون إليه بخطى حثيثة. وإن الصلابة والقوة التي تحملها بعض القوى الديمقراطية سواء في حركة نداء تونس أو في إتحاد الشغل أو في الأحزاب الديمقراطية الأخرى أو في منظمات المجتمع المني ذات العلاقة لا يمكن أن تنجح في درء مخاطر ما نحن ذاهبون إليه إذا لم تتعاضد جهود عديد الأطراف الأخرى لتحصين المسار الديمقراطي وإذا لم تتكثف أيضا ضغوطات المجتمع الدولي على الحاكمين هنا وهناك في مصر من أجل القول بأن خطوطا حمراء معينة لا ينبغي تجاوزها وأن تكرار سيناريو الثورة الإيرانية في حقبتها التي التفت فيها على القوى الثورية غير الإسلامية لا يمكن أن يتكرر بسهولة لأن التاريخ لا يعيد نفسه إلا ربما في شكل المأساة,ولا أحد منا يتمنى المأساة لبلاده…
|
علي العيدي بن منصور |