على امتداد العام المنقضي، وكلما ارتفعت حدة الانتقادات تجاه الحكومة حول ملف ما إلا ورددت المقولة نفسها: الحكومة مستهدفة وتتعرض للعرقلة ولوضع العصا في العجلة.
ولم يتوقف الأمر حد تذمر الحكومة برمتها بل يتجاوزه إلى حركة النهضة، صاحبة الأغلبية في الحكم، والتي تُردد من حين لآخر أنها مستهدفة وأن هناك حملة ضدها قصد تشويهها وأن المؤامرات تحاك بالليل والنهار لإسقاطها…
بعد عام على تنصيبها: الحكومة التونسية فاشلة أم مستهدفة؟ |
على امتداد العام المنقضي، وكلما ارتفعت حدة الانتقادات تجاه الحكومة حول ملف ما إلا ورددت المقولة نفسها: الحكومة مستهدفة وتتعرض للعرقلة ولوضع العصا في العجلة.
ولم يتوقف الأمر حد تذمر الحكومة برمتها بل يتجاوزه إلى حركة النهضة، صاحبة الأغلبية في الحكم، والتي تُردد من حين لآخر أنها مستهدفة وأن هناك حملة ضدها قصد تشويهها وأن المؤامرات تحاك بالليل والنهار لإسقاطها.
وتذهب الحكومة وحركة النهضة أحيانا أبعد من ذلك بالقول أن تونس مستهدفة أو أن الثورة مستهدفة، ويرى الملاحظون أنها بذلك تريد حشد مزيد من التعاطف معها.
و من الطبيعي أن يدفع هذا "التذمر الحكومي" المستمر إلى التساؤل، هل الحكومة مستهدفة فعلا أم هي فاشلة لكنها تريد التغطية على فشلها من خلال التشكي دوما من الاستهداف؟ هل الحكومة هي بالفعل ضحية "مؤامرة"؟ وهل أن إخفاقها في معالجة بعض الملفات يعود إلى استهدافها وعرقلتها؟
وصرّح راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الثلاثاء لصحيفة يومية أن "حركة النهضة مستهدفة وشخصي أيضا مستهدف والتجربة الديمقراطية مستهدفة في تونس".
وأضاف الغنوشي أن الاستهداف واضح وجلي من خلال الحملات التي تشن الآن على الحكومة وعلى رئيس الحكومة وعلى رئيس الجمهورية و على رئيس المجلس التأسيسي.
وأكد أن "كل ما يحصل منظم بالتعاون مع أكثر من جهة بما يدل على أن هناك جهة توجه كل هؤلاء وتعطي تعليماتها كل يوم وتفتح يوميا جدولا إعلاميا مبرمجا.. كل ما يحصل مبني على كذب و على ادعاءات باطلة لا أساس لها من الصحة".
واتهم الغنوشي ما وصفه ب"شبكة معروفة" بالضلوع وراء ذلك.
ولم يمر يوم واحد دون أن يتذمر فيه قيادي من حركة النهضة أو وزير من الترويكا من وجود استهداف واضح للحكومة الغاية منه على حد قولهم عرقلة عمل الحكومة وإظهارها في موقف العاجز.
وعادة ما توجه أغلب هذه الاتهامات للمعارضة و لاتحاد الشغل خاصة عندما يتعلق الأمر باحتجاج اجتماعي في جهة ما أو باعتصام في الطرقات أو أمام المصانع أو بإضراب جهوي أو قطاعي أو عام.
وذهب أحد الموالين للنهضة وللحكومة الحالية إلى القول أن "الإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات، حتى وإن كانت شرعية، إلا أنه لا يمكن الاستجابة لها جميعا في وقت وجيز، وأن التمسك بها هو تعجيز للحكومة وخراب لتونس".
ويقول آخر أن أية حكومة في العالم لن تقدر على القيام بأية انجازات في ظل الاعتصامات والإضرابات، فالاقتصاد يمر بفترة صعبة جدا والمعارضة والاتحاد همهما الوحيد هو تعجيز الحكومة أي زعزعة الاقتصاد.
ويرى هؤلاء أن الحكومة نجحت بالانتخابات وان لم تقم بالواجب يقع إسقاطها بالانتخابات وليس بالاعتصامات، وما يحدث الآن في تونس يدفع عديد المواطنين للإحساس بأن هذه الحكومة مستهدفة وضحية مؤامرة.
وتقول الحكومة إنها نجحت في أكثر من مناسبة في إيجاد الحلول الملائمة والعاجلة لعديد المشاكل وإنها ساعية نحو معالجة أقصى ما يمكن من هذه المشاكل وأنه لا بد من إعطائها الوقت الكافي لذلك.
لكن من جهة أخرى، يكشف الملاحظون أن الحكومة تريد من "نظرية المؤامرة" شماعة تعلق عليها كل فشلها.
فأحيانا تبرز الحاجة ملحة لمعالجة ملف ما (اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي) ، وتبدو معالجته سهلة للغاية ولا تتطلب اجتهادا ولا وقتا كبيرين من الحكومة بل تكفي بعض الإجراءات التنفيذية البسيطة وتخصيص جزء من المال العام لذلك حتى تقع معالجة الملف في أسرع وقت و هو ما يجنب الحكومة الانتقادات.
لكن الحكومة يكون لها رأي آخر ولا تبادر بمعالجة ذلك الملف ، ولا يُفهم إن كان ذلك عمدا ام عن حسن نية وسوء تصرف ، ولما توجه إليها الانتقادات تتهم الأطراف المعارضة لها باستهدافها وبعرقلتها عوضا عن السعي نحو معالجة ذلك الملف.
وفي هذه الحالة يكون تمسكها بـ"نظرية المؤامرة" خطئا واضحا للعيان تهدف من ورائه للتغطية على عجزها.
ويتضح أحيانا أن الحكومة تفتقر إلى وجوه "تكنوقراط" في بعض الوزارات الهامة وهو ما يؤكد الحاجة الملحة للتحوير الوزاري.
فرغم مرور عام كامل على توليها الحكم إلا أن الحكومة لم تهتد بعد إلى معالجة ملف الشهداء والجرحى بشكل نهائي، ولم تجد الحلول الملائمة لمشكل البطالة وللتهميش في عديد الجهات ولغلاء المعيشة ولتدني الأجور ولانتشار رقعة الفقر.
كما لم تهتد بالشكل اللازم إلى محاسبة رموز النظام السابق وإلى جلب الفارين إلى الخارج وإلى استرجاع الأموال المنهوبة و إلى التصدي لانتشار الفساد والرشوة والمحسوبية بعد الثورة و إلى التحكم كما ينبغي في المال العام بعد أن اتضح للجميع وجود إهدار فاضح له.
وفضلا عن ذلك لم تنجح الحكومة كثيرا على الصعيد السياسي. فباستثناء حرية التعبير، لم يجن التونسيون إلى الآن شيئا حيث تتواصل الضبابية على مستوى الديمقراطية والعدالة ويتواصل انتظار الدستور ويتواصل تمرير القوانين التي تخدم مصالح دون أخرى (لا سيما المصالح المالية لبعض الأطراف).
وعموما يرى الملاحظون أن الحكومة ومن ورائها حركة النهضة مطالبتان اليوم بالابتعاد أقصى ما يمكن عن نظرية المؤامرة والاستهداف التي تكاد تتحول إلى مبرر واضح للفشل في معالجة عديد الملفات.
وحتى أن كانت هناك بالفعل مؤامرات فان الحكومة مطالبة بمعالجتها بمفردها في كنف السرية بعيدا عن الرأي العام وعن الإعلام دون إبرازها بشكل يومي للعموم.
فكثيرون أصبحوا يرون أن الحكومة تريد من وراء ذلك الظهور بمظهر الضحية ونيل استعطاف الناس و التحريض على المعارضة.
فما يهم التونسي اليوم هو جني ثمار الثورة خاصة على الصعيد الاجتماعي ولا يهمه من تآمر على من ومن استهدف من !!!
|
وليد بالهادي |