أكد مدير مكتب الدراسات والتخطيط ونظم المعلومات الهادي السعيدي في تصريح صحفي للمصدر أن الدراسات التي تناولت ظاهرة الانقطاع المدرسي توصلت إلى أن الانقطاع عن التعليم في تدرج من المرحلة الابتدائية إلى التعليم الثانوي حيث ارتفع من 1.2 بالمائة إلى 10 بالمائة حاليا.
..
استفحال كبير لظاهرة الانقطاع المدرسي في تونس |
أكد مدير مكتب الدراسات والتخطيط ونظم المعلومات الهادي السعيدي في تصريح صحفي للمصدر أن الدراسات التي تناولت ظاهرة الانقطاع المدرسي توصلت إلى أن الانقطاع عن التعليم في تدرج من المرحلة الابتدائية إلى التعليم الثانوي حيث ارتفع من 1.2 بالمائة إلى 10 بالمائة حاليا.
وترتفع نسبة الانقطاع المدرسي في التعليم الابتدائي خاصّة لدى تلاميذ السنوات الخامسة والسادسة وفي مستوى التعليم الإعدادي تتمركز بالأساس في السابعة أساسي بنسبة 50 بالمائة.
أما في مستوى التعليم الثانوي فإن الانقطاع المدرسي يبرز بالخصوص خاصة في السنة الأولى ثانوي وترتفع نسبة الانقطاع المدرسي لدى الذكور أكثر من الإناث حسب هذه الدراسات.
وجاء في تقرير لمكتب الدراسات والتخطيط والبرمجة التابع لوزارة التربية أن كلفة الانقطاع المدرسي تصل سنويا إلى 345 مليون دينار، أي ما يقارب 13 بالمائة من ميزانية وزارة التربية.
وتتوزع هذه الخسائر على أكثر من 137 مليون دينار، كلفة الرسوب و207 مليون دينار تكلفة الانقطاع.
وتعدّ هذه المؤشرات ناقوس الخطر الذي بات يهدد المنظومة التربوية في تونس وهو يدعو أكثر من ذي قبل وزارة التربية وبقية الوزارات المعنية بالطفولة والشباب والشؤون الاجتماعية إلى الاهتمام بظاهرة الانقطاع المبكر عن الدراسة وتناولها بجدية وإيجاد الحلول للحدّ منها.
ويمثل الفشل المدرسي ظاهرة عامّة تشمل كافة الأنظمة التربوية في العالم وهي تستقطب الانتباه في الأوساط البيداغوجية وتعتبر أحد أهم المؤشرات الدالة على مدى نجاح أي منظومة تربوية أو فشلها.
وفي تونس تطوّرت هذه الظاهرة حسب الفترات والسياسات التربوية وكانت لها انعكاسات سلبية على مردود المنظومة التربوية وذلك بالرغم من الإجراءات التي تم اتخاذها بهدف التقليص من حدة هذه الظاهرة خاصة في مرحلة الدراسة المبكرة.
كما يساهم الفشل المدرسي في ارتفاع إعداد العاطلين عن العمل من الذين لا يمتلكون تحصيلا علميا عال وهو ما يصعب من عمليات إدماجهم في سوق الشغل.
وتمثل المدرسة نقطة ارتكاز النظام التربوي والخلية الأساسية فيها تتجمع الأهداف الوطنية وتحديد مصير المتعلمين وعلى هذا الأساس أمكن الحديث عن العناصر الكمية والنوعية للمدرسة والتي تتفاعل لتحديد نجاح المؤسسة أو تتسبب في فشلها.
ويرجع مختصون في الشأن التربوي أسباب الفشل المدرسي إلى تراجع المستوى الدراسي للمتعلمين الذي أصبح عملية مقعدة ومركبة.
وأكدوا أن إصلاح نظام التعليم ليس مهمة مستحيلة إذا وجدت الإرادة الحقيقية لكل الشركاء والفاعلين التربويين وعلى رأسهم الدولة التي هي المسؤول الأول عن توفير المناخ المادي والاجتماعي والتربوي لجعل التربية والتكوين أولوية وطنية.
كما تواجه المدرسة اليوم العديد من التحديات لعل أبرزها تراجع قيمتها في المجتمع مقارنة بما كانت تتمتع بها في الماضي من هيبة وقدسية والذي تسبب بدون شك في تراجع المستوى الثقافي للمتعلم وزيادة نسبة الرسوب والانقطاع.
هذا بالإضافة إلى تذبذب وكثرة الإصلاحات التربوية المسقطة رغم قصر الفترة الزمنية الفاصلة بينها وسلبية الطرق البيداغوجية المتبعة والأنظمة التأديبية.
لذلك فإن من المهم ونحن مقبلون على إصلاح المنظومة التربوية أن يتم البحث في سبل استعادة الدافعية والرغبة لدى المتعلم وإقباله على التحصيل والمعرفة وتحقيق المصالحة بين التلميذ ومدرسته.
كما يرى الفاعلون في القطاع التربوي أن نظام ضوارب المواد في المرحلة الإعدادية له انعكاسات سلبية على نجاح المتعلم أو فشله الدراسي، مشيرين إلى أهمية مراجعة آليات تقييم مكتسبات التلميذ وبنتائجه الدراسية التي تؤثر حتما على مساره التعليمي.
وبالرغم من الإجراءات العديدة التي تمّ اتخاذها لمعالجة ظاهرة الانقطاع المدرسي المبكر التي تمثل السبب الرئيسي في غياب شهادات تكوين معترف بها، إلا أن هذه الإجراءات كانت محدودة الفاعلية في غياب آلية ناجعة لاستقطاب التلاميذ المهددين بالفشل أو الذين ليس لهم رغبة قوية للدراسة في مسلك التعليم العام في حين يمتلكون قدرات ومؤهلات تمكنهم من اكتساب مهارات مهنية.
ويمثل التعليم التقني أحد أهم الحلول التي يمكن أن تجعل المدرسة التونسية تضطلع بكفاءة بوظائفها في إكساب التلاميذ مهارات عامة تمثل قاعدة صلبة لمواصلة التعليم والتكوين ولقابلية التشغيل وقد يكون مسلك التعليم الإعدادي التقني المسار الأمثل لاستقطاب هذه الفئة من التلاميذ.
كما تعتبر وظيفة التوجيه المدرسي من الوظائف الهامة المكملة للعملبة التربوية ولعل الضعف الذي تشهده هذه الوظيفة يعد من الأسباب التي جعلت من ظاهرة الفشل المدرسي تتفاقم علاوة على الظروف الاجتماعية والبيئة الأسرية التي يعيشها عدد من التلاميذ والتي تؤثر على علاقته بالدراسة وهو ما يتطلب مزيدا من الاهتمام بالجانب النفسي للتلميذ من قبل مختصين داخل المدرسة.
ويشير بعض المختصين إلى أن من أسباب الانقطاع المدرسي تراجع المنفعة الاقتصادية للدراسة اليوم باعتبار تزايد عدد العاطلين عن العمل من ذوى الشهادات العليا وهو ما يجعل نسبة لا باس بها من الأطفال إلى ترك المدرسة والاندماج مبكرا في سوق الشغل.
كما ابرزا أن التضخم في مستوى الزمن المدرسي والاكتظاظ بالأقسام في بعض المناطق علاوة على ابتعاد المدرسة عن مقر السكنى وكذلك آليات الانتداب وإدارة المؤسسة التربوية من العوامل التي تؤدي إلى التخلي عن الدراسة.
وهناك أيضا أسباب تهم المجتمع والمحيط بصورة عامة حيث توجد مؤسسات تربوية قريبة جدا من المقهى التي تشجع التلميذ على ارتيادها إلى جانب انتشار ظاهرة استعمال المخدرات والمسكرات داخل وبمحيط المؤسسة التربوية وغياب رقابة الولي والمدرسة على حد السواء.
كما اعتبر بشير العواني أستاذ جامعي ومختص في التربية أن الانقطاع المبكر ظاهرة خطيرة تنخر المؤسسة التعليمية وتهدد السلم الاجتماعي ورأى أن تفادي الظاهرة يستوجب مراجعة المنظومة التربوية في مستوى طرق التقييم وطرق الانتداب وكل من يشرف على العملية التربوية.
وأشار إلى أن المعلمين الذين انقطعوا عن التعليم بعد 20 عاما يفترض أن يقع تكوينهم وتأهيلهم لأن لهم تأثيرا على التلاميذ بعد 20 عاما وأفاد أن المجتمع المدني له دور في التأطير من بهو الاستقبال حتى مدير المعهد.
|
مريم التايب |