النيابة العمومية تغض الطرف على انتشار ظاهرة الزواج العرفي في تونس

فتيات كثيرات في تونس تمت استمالتهن وإقناعهن بالزواج العرفي الذي انتشر مؤخرا خاصّة في الأوساط الجامعية والأحياء الشعبية الفقيرة ميزته انه محاط بالسرية التامّة.
..



النيابة العمومية تغض الطرف على انتشار ظاهرة الزواج العرفي في تونس

 

فتيات كثيرات في تونس تمت استمالتهن وإقناعهن بالزواج العرفي الذي انتشر مؤخرا خاصّة في الأوساط الجامعية والأحياء الشعبية الفقيرة ميزته انه محاط بالسرية التامّة.

 

هذه الظاهرة التي نبهت إليها وزارة المرأة والأسرة وأحزاب وجمعيات تونسية أثارت جدلا كبيرا لأنها أصبحت تهدّد التركيبة الاجتماعية والثقافية لمجتمع كثيرا ما افتخر بحرية المرأة وبحقوقها الشخصية.

 

ورغم صرامة القانون ووضوحه في هذا المجال حيث يعتبر الزواج العرفي، إلا أنه أصبح في تونس شبه مباح ومعترف به في بعض الأوساط الدينية والطلابية وأصبح يهدد تماسك العائلة التونسية.

 

ويعد الزواج العرفي زواجا على خلاف الصيغ القانونية ويعاقب عليه طبقا لأحكام القانون عدد 3 لسنة 1957 المتعلق بتنظيم الحالة المدنية، وهو حسب الفصل 36 من قانون الحالة المدنية والفصل 31 يعد باطلا ويعاقب الزوجان بالسجن مدة ثلاثة أشهر العدد مجهول.

 

ولا توجد كذلك أرقام محينة حول عدد الأطفال الذين يولدون في إطار الزواج العرفي بسبب عدم وجود إجراءات قانونية ملزمة تجبر المواطن عند الإعلام بولادة جديدة على تقديم وثائق تحدد بها نوعية الزواج والالتزامات التي تترتب عليه فالبلدية لا يمكنها أن تجبر المواطن على تقديم عقد الزواج عند تسجيل ابنه أو ابنته فاعترافه يعد كافيا.

 

ويبقى تحديد نسب الأطفال من حالات الزواج العرفي أمرا متعذرا ويمكن إدراجه ضمن الحالات الاجتماعية الأخرى مثل الأمهات العازبات أو حالات الإنجاب خارج إطار الزواج.

 

أما شرعا فيؤكد المختصون على أن ضرورة أن يكون الزواج في الإسلام علنيا وموثقا، معتبرين أن الزواج العرفي في تونس قد يترتب عليه كل "ثمار" الزواج مع المعصية لعدم التوثيق بسبب ما يترتب على ذلك من ضياع الحقوق خاصة مع فساد الذمم وقلة الأمانة، أما إذا وقع التواصي بالكتمان أو قامت القرائن على الكتمان صار الزواج سريا وهو ما يسمى عند المشارقة زواجا عرفيا وهو غير جائز شرعا.

 

كما اعتبر حسين العبيدي إمام جامع الزيتونة أن الزواج العرفي كان سائدا قبل قرنين أو أكثر لعدم توفر الكتابة والتدوين وكان الناس يعيشون في مجتمعات تسودها الثقة والأمن والطمأنينة حيث يبرم عقد الزواج شفاهيا دون كتابة وحقوق المرأة مضمونة في ميراثها إذا توفي زوجها.

 

أما اليوم وجراء انعدام الثقة فان الشريعة الإسلامية تحرم الزواج العرفي الشفاهي أو مجرد كتابة ورقة لا تضمن حقوق الزوجة لذلك وجب الزواج بعقد رسمي كتابي حتى تضمن حقوق الزوجين والأطفال.

 

يتضح إذن أن الزواج العرفي في تونس ممنوع مثله مثل التزوج بثانية وأنها كلها جرائم رتب عليها القانون التونسي عقوبة بالسجن ولا يمكن "للمناخ السياسي" أن يحول الجريمة إلى أمر مباح فان تكون الحكومة إسلامية أو علمانية فهذا الأمر لا يمكن له أن يؤثر في فصول القانون نافذة المفعول وبالتالي فان الزواج العرفي هو زواج "فاسد" لا يمكن له أن يرتب آثارا قانونية.

 

في المقابل كان لا بد للقانون التونسي أن يجد حلولا للأطفال الذين ينشأون من هذه العلاقة الفاسدة لذلك اعتبرهم المشرع أبناء طبيعيين أي أبناء غير شرعيين لهم الحق في النسب والنفقة ولا حق لهم في الميراث.

 

وتجدر الإشارة إلى أن التتبعات العدلية للمتزوجين عرفيا لا يمكن أن تجري إلا بإذن من النيابة العمومية فهو الجهاز الوحيد الذي له حق التتبع وإثارة الدعوى، بمعنى انه يمكن أن ترتكب جرائم الزواج العرفي دون تتبع إذا لم تحرك النيابة العمومية ساكنا ويبقى التجريم حبرا على ورق كما يمكن أن تتحرك النيابة العمومية بشدة لزجر مثل هذه الجرائم.

 

كما يمكن لهذه النوعية من الزواج أن تطرح جملة من الإشكاليات القانونية والأخلاقية والقيمية والشرعية فهو يندرج ضمن العلاقات الحرة وهو مغلف بغلاف الدين يستمد قوته ومشروعيته من سياق سياسي واجتماعي داعم لهذا التوجه وهو ما يثير المخاوف من أن يصبح هذا الزواج واقعا يساهم في تغيير نمط حياة المجتمع بشكل يتعارض مع الدولة المدنية ونمط الحياة المدني.

 

كما يخلف هذا الزواج آثارا نفسية على النساء اللاتي تورطن فيه وعلى الأبناء الذين يولدون نتيجة هذه التجربة والذين لن يجدوا قانونا يحميهم أو يعطيهم حقوقه.

وحتى وإن تمّ إثبات النسب في صورة اعتراف الأب بالأبناء فإنهم يتمتعون بالنفقة ولكنهم محرومون من الميراث إلى جانب ضربه لمكتسبات المرأة ولمنع تعدد الزوجات وازدياد للأمهات العازبات اللاتي لا تتمتعن بأي حقوق.

 

وعلى وزارة المرأة والوزارات المعنية أن تقدم الحلول الضرورية لتطويق هذه الظاهرة وذلك بعد القيام بدراسة تحدد مدة انتشارها في المجتمع التونسي والفئات المستهدفة منها إلى جانب وتجنيد فرق للبحث والتحسيس بخطورة الظاهرة من أجل حماية مكتسبات المرأة من ناحية وضمان استقرار المجتمع من ناحية أخرى.

 

كما يبرز هنا دور المجتمع المدني في مقاومة هذه الظاهرة الخطيرة من خلال القيام بندوات تحسيسية داخل المؤسسات التعليمية والأحياء الشعبية ودور الثقافة وفي وسائل الإعلام وتكثيف المداخلات لرجال القانون وعلماء الاجتماع لتحليل الظاهرة.

 

مريم التايب

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.