مازال الفساد الجبائي مستشريا في تونس في ظلّ غياب اطار قانوني صارم ضدّ المتهربين الجبائيين والمهربين ومبيضي الأموال ووضع أمني هش فتح المجال للمستكرشين والمفسدين لمزيد الكسب غير الشرعي على حساب مصلحة الوطن. ..
تونس: الفساد الجبائي إلى متى؟ |
مازال الفساد الجبائي مستشريا في تونس في ظلّ غياب اطار قانوني صارم ضدّ المتهربين الجبائيين والمهربين ومبيضي الأموال ووضع أمني هش فتح المجال للمستكرشين والمفسدين لمزيد الكسب غير الشرعي على حساب مصلحة الوطن.
وتعتبر الجباية من أهمّ موارد ميزانية الدولة 2013، وهو ما يثير المخاوف من قدرة الحكومة الحالية على الحدّ من ظاهرة التهرب الجبائي خاصة من قبل رؤوس الأموال والأغنياء الجدد بعد الثورة.
وقد أكد عدد من الخبراء والجبائيين بأن الدولة لم تعر أية أهمية لمسألة التهرب الجبائي والفساد المستشري، مشيرين إلى أن السماسرة في الملفات الجبائية مازالوا يصولون ويجولون على مرأى ومسمع من الجميع وأن مخربي أموال الخزينة العامة مازالوا يتمتعون بحصانة كاملة وقد كدسوا مئات المليارات التي جنوها من السمسرة من الملفات الجبائية.
وأبرز الخبير الجبائي الأسعد الذوادي بأن "قانون المالية الجديد يسخر للشركات الأجنبية التهرب الجبائي ونهب موردنا"، معتبرا بأن مشاريع القوانين المعدّة من قبل الإدارة مازالت تمرر في المجلس التأسيسي بنفس الأساليب التي كانت تمرر بها النصوص المافيوية لبرلمان بن علي، على حدّ تعبيره.
وأضاف بأن ميزانية 2013 جاءت أحكامها ضحلة ومهملة لمسألة التهرب الجبائي وتبييض الأموال والجرائم الجبائية، علاوة على فتح الباب لنهب الموارد الوطنية من قبل الشركات الأجنبية بواسطة آلية أسعار التحويل والفوترة الصورية والسمسرة في الملفات الجبائية من خلال الفصول 39 و42 و60 من مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية.
كما انتقد شطب الديون الجبائية في اطار لجنة إعادة النظر في قرارات التوظيف الإجباري، إضافة إلى السوق السوداء التي حولت بعض المناطق الصناعية إلى مقابر وساهمت في تخريب سيولة المؤسسة ومردوديتها من خلال آلية الخصم من المورد وعديد المعاليم والأداءات والآتاوات وتحويل وجهة الامتيازات الجبائية.
من جهته، قال نصر الدين بوزراع متفقد بإحدى المصالح المالية بأن مظاهر الفساد المستشري بالمجال الجبائي متعدد حيث تم ضبط عقد مبرم بين رئيسة محكمة اشترت أرضا مساحتها 5000 متر مربع في الضاحية الشمالية بـ100 مليم المتر المربع الواحد.
وأفاد أيضا أن الذين بحوزتهم ملفات بعد الثورة وقعت عليهم ضغوطات متواصلة من قبل السلط المتداولة على الحكم قصد إخفاء هذه الملفات، معتبرا أن الجباية مسلطة على الطبقة الاجتماعية الكادحة لأن المنظومة التشريعية لم تتغير في حين هناك تهربا جبائيا واضحا من قبل رجال الاعمال وذلك ناتج عن تواصل إدارة نفس رموز الفساد التي وجدت في عهد بن علي.
ودعا في هذا السياق إلى فتح تحقيق جدي في عملية الترقية والتعيين التي شهدتها إدارة الجباية والتي تستجيب لمنطق الولاءات لا الكفاءات، وفق قوله.
وأكد انتشار ظاهرة الرشوة في المجال الجبائي وذلك بسبب العمل الكبير الذي يقوم به عون المراقبة لقاء دخل شهري ضعيف حيث لا وجود لتحفيزات حقيقية للفئة المذكورة، حسب تعبيره.
ودعا إلى بعث هيئة مراقبة في كل إدارة جهوية للأرشيف والاستقصاءات تخدم المراجعات والإغفالات وهيئة ثانية تخدم النزاعات لإنجاز مراجعات جبائية من أجل تفادي الفساد وغلق باب الثغرات، حسب رأيه.
من جهة أخرى، أكد منجي الرحوي عضو اللجنة المالية بالمجلس الوطني التأسيسي أن مسألة التهرب الجبائي لم تأخذ حظها ولم تأخذ الحيز الكامل في قانون المالية إذ هناك موارد ذات حجم كبير جدا لا يمكن إدخالها إلى خزينة الدولة بفعل التهرب الجبائي، قائلا أن حجم الفساد المستشري في المجال الجبائي مكنّ عددا هاما من الأشخاص من التهرب من دفع الضريبة.
وأضاف بأن القوانين تسمح بالتهريب الجبائي وتمكن 450 ألف اقتصادي من عدم الخضوع للضريبة الجبائية إضافة إلى عديد مظاهر الفساد التي يتم غضّ النظر عنها ومحاولة عدم الخوض فيها، مشيرا إلى أن المقترحات التي قدمت في المجلس التأسيسي قصد إصلاح المجال الجبائي جوبهت بالرفض.
وذكر بأن عددا هامّا من الأشخاص تهربوا من دفع الضريبة بواسطة أعمال على غرار تسجيل العقود الخاضعة للمعلوم النسبي بالمعلوم القار في خرق للقانون بالإعتماد على التحيل مثلما أقرت بذلك الادارة العامة للمحاسبة العمومية والاستخلاص من خلال مذكرتها عدد 72 لسنة 2005.
كما يتم تسجيل النقل العقارية دون أن تتمكن مصالح المراقبة الجبائية من الاطلاع عليها إلى أن يسقط حق الخزينة العامة بمرور الزمن وهذا يندرج ضمن تبييض الجرائم الجبائية وهذه الجريمة لم يتم التنصيص عليها صلب القانون الجبائي مثلما فعل ذلك المشرع الفرنسي. ويقول محدّثنا أن مظاهر الفساد متعددة ولا يمكن حصرها لكن لا بدّ من اتخاذ اجراءات حقيقية للحد منها .
|
مريم التايب |