تباينت ردود الأفعال بشأن مشروع الدستور الجديد لتونس الذي انطلق النقاش العام بشأنه داخل المجلس الوطني التأسيسي، المنتخب في 23 أكتوبر 2011، للإشراف على كتابته.
..
جدل كبير حول مسودة الدستور التونسي الجديد |
تباينت ردود الأفعال بشأن مشروع الدستور الجديد لتونس الذي انطلق النقاش العام بشأنه داخل المجلس الوطني التأسيسي، المنتخب في 23 أكتوبر 2011، للإشراف على كتابته.
وأجمع نواب المجلس التأسيسي عن رضاهم من تضمين مشروع الدستور لأبرز أهداف الثورة ومبادئ الديمقراطية للقطع مع نظام الاستبداد، إلا أنهم أقرّوا بوجود مآخذ في بعض فصوله.
وتحتوي مسوّدة الدستور، التي نشرت على الموقع الالكتروني للمجلس التأسيسي، على تسعة أبواب كبرى ومطوّلة، تضمّنت 149 فصلا مقابل 78 فصلا بدستور 1959 الذي تمّ تعليق العمل به.
ويقول العربي عبيد النائب الثاني لرئيس المجلس التأسيسي إنّ المسوّدة تضمّنت "مادة غزيرة سيقع العمل على اختزالها في المضامين التي تلبي أهداف الثورة ومبادئ الديمقراطية".
وأشار إلى وجود جملة من المبادئ تضمن الحقوق والحريات وتكرّس استقلال القضاء والفصل بين السلطات وحيادية الجيش والأمن وتدعم اللامركزية "لإعطاء دور حيوي للجهات".
ويبقى الإنجاز الأبرز في مشروع الدستور بالنسبة إلى العربي عبيد هو إقرار -لأوّل مرّة- محكمة دستورية لمراقبة دستورية القوانين "حتى لا تحدث انتهاكات من السلطة التشريعية".
كما تقول فريدة العبيدي رئيسة لجنة الحقوق والحريات بالمجلس التأسيسي إنّ المسوّدة احتوت على جملة من الضمانات والحقوق والحريات التي تلبي أهداف الثورة وطموحات الشعب.
وتضيف العبيدي وهي قيادية بحركة النهضة أنّ مسودّة الدستور نصصت على إقرار هيئات دستورية مستقلة "داعمة للحرية والديمقراطية" على غرار المحكمة الدستورية وهيئة الانتخابات والإعلام وهيئة حقوق الإنسان وهيئة مكافحة الفساد.
لكنها أقرّت بوجود نقائص بمسودة الدستور، قائلة "هذه الصيغة ليست نهاية وسيقع إدخال تحسينات عليها". بدوره، يقول العربي عبيد إنّ المسودة "ليست كاملة الأوصاف"، مؤكدا أنّ تحسينات ستطرأ عليها بعد النقاش والاستئناس بالخبراء.
ومن بين المآخذ التي أثارت جدلا حول مشروع الدستور وجود بعض الاستثناءات في باب الحقوق والحريات، التي تقيّد حرية التعبير والإبداع بواجب احترام حقوق الآخرين والآداب العامّة.
ويقول المولدي الرياحي رئيس كتلة حزب التكتل بالمجلس التأسيسي إنّ "الاستثناءات التي تطوّق المبادئ والقيم العامّة داخل الدستور ستفرغها من معانيها"، مشيرا إلى أنّ "هذه القيود" يمكن أن تنظّمها قوانين عادية.
لكنّ فريدة العبيدي تقول إنّ المحكمة الدستورية قد تطعن في القوانين العادية التي تسعى لتقييد بعض الحريات، إذا كانت الحريات مضمنة بصفة مطلقة بالدستور. كما أكدت أنّه تمّ الاستئناس بالمعايير الدولية في صياغة الحريات بمشروع الدستور.
إلى ذلك، انتقد الرياحي عدم تضمين معاهدات حقوق الإنسان الكونية بتوطئة الدستور، منتقدا الموقف المعارض لحركة النهضة التي تحتل أغلب المقاعد بالمجلس التأسيسي (89 مقعدا من جملة 217).
لكنّ العربي عبيد النائب الثاني لرئيس التأسيسي أوضح أنّ الاعتراض على التنصيص على منظومة حقوق الإنسان هدفه قطع الطريق أمام مطالبة البعض بحقوق لا يقبلها المجتمع كالمثلية.
وتتباين الآراء حول عدّة مسائل في مسودة الدستور، إلا أنها تلتقي في كثير من المآخذ إزاء بعض الفصول مثل الفصل 95، الذي يشرّع للدولة حق إنشاء تنظيمات مسلحة غير منضوية تحت الجيش أو الأمن، بمقتضى قانون.
وأثار هذا الفصل جدلا واسعا. وطالب عدد من النواب والخبراء القانونيين بمراجعته لأنه قد يؤدي إلى إنشاء ميليشيات مسلحة تهدّد من الأمن والسلم داخل المجتمع، وفق رأيهم.
كما انتقدوا الفصل 68 الذي يعطي لرئيس الدولة حصانة قضائية خلال مهامه وبعد انقضائها، معتبرين أنه من "غير المقبول" بعد الثورة أن يتمتع الرئيس بحصانة بعد انتهاء مهامه.
وتمّ التوافق حول عدّة مسائل هامة في الدستور من بينها الإبقاء على الفصل الأول من الدستور القديم الذي ينص على أنّ "تونس دولة حرة مستقلة الإسلام دينها و العربية لغتها والجمهورية نظامها"، بعدما تنازلت حركة النهضة على التنصيص على الشريعة بالدستور.
ومع ذلك تعترض المصادقة على الدستور بعض الخلافات حول اختيار نظام الحكم وتحديد صلاحيات رئيس الدولة ورئيس الحكومة، وهو ما قد يدفع لتنظيم استفتاء شعبي، في حال عدم التوافق.
ويتطلب إقرار الدستور المصادقة عليه داخل المجلس التأسيسي فصلا فصلا بأغلبية بسيطة (50 زائد واحد)، ثمّ المصادقة عليه بأكمله بأغلبية الثلثين أو يتمّ اللجوء للاستفتاء.
|
خميس بن بريك |