بعد طول انتظار، تقرّر تشكيل حكومة انتقالية جديدة يترأسها وزير الداخلية الأسبق علي العريض. ودون كشف حساب عن رصيد الحكومة المستقيلة أو نقاش حول نقاط ضعف وانجازات فريق وزاري عُهد اليه مهمة ادارة شؤون البلاد طيلة سنة ونيف، بدأ الوزير المكلف من طرف رئيس الجمهورية، في مشاورات مع أحزاب من أجل اختيار أعضاء الحكومة الجدد…
كيف تصبح وزيرا في عهد النهضة؟ |
بعد طول انتظار، تقرّر تشكيل حكومة انتقالية جديدة يترأسها وزير الداخلية الأسبق علي العريض. ودون كشف حساب عن رصيد الحكومة المستقيلة أو نقاش حول نقاط ضعف وانجازات فريق وزاري عُهد اليه مهمة ادارة شؤون البلاد طيلة سنة ونيف، بدأ الوزير المكلف من طرف رئيس الجمهورية، في مشاورات مع أحزاب من أجل اختيار أعضاء الحكومة الجدد. لا يُستغرب من شعب لم يتعوّد في الماضي على مسائلة رؤسائه. فأي نظام دكتاتوري ذاك الذي يمنح لمرؤوسيه واجب محاسبة سياسته. أما اليوم الذي قيل فيه أن التونسيين استعادوا فيه سيادتهم المفقودة، فلا مجال بعده أن يمرّ مسؤول سام تقلّد مناصب القرار في الدولة دون أن يتم استعراض درجة نجاحه في وظيفته أو فشلها.
كان من المفروض أن يقوم المجلس التأسيسي بهذه المهمة نظراً لغياب مؤسسات رقابية أخرى نتيجة عدم توفر التشريعات المناسبة التي تتيح القيام بهذا الدور. لكن نفضّل ترك ذلك المجلس في حاله، حفاظاً لما تبقى له من وقار وهيبة عسى أن ينهي مهمة سنّ الدستور وينصرف على حال سبيله بعد أن كشف لنا ما لجزء من طبقتنا السياسية من "كاراكوزية" لا حدود لها! فبعد تفكير ملي حفّزني عليه تولي علي العريض -الذي تزامن توليه لمنصبه القديم مع ظهور مليشيات عسكرية وبروز جهاز أمن موازي- قررت أن أرفع مطلباً لنيل منصب وزاري لا يقلّ عن وظيفة كاتب دولة، في أسوأ الحالات. ومن أجل بلوغ ذلك الهدف، قررت اتباع الخطوات التالية التي ما من شك أن الوزراء السابقون ساروا عليها. فأول اجراء سأقوم به هو التوقف عن الكتابة. فالحكومة لن تقبل، من المؤكد، بوزراء سبقوا أن انتقدوها. وهي أيضاً لن "تستوزر" شخصاً كتب فيها مادحاً. إذ تفضّل أن يبقى "مقدم الخدمات" مستقلاً على شاكلة ما يقوم به من هو على شاكلة المحامي فتحي العيوني، لتستحقهم في المهام الوسخة التي لا تُريد الحكومة التورط فيها مباشرةً. اثر ذلك، سأتقرب من قيادات مجلس الشورى لحركة النهضة. فلا بأس من مصاحبتهم عند أداء الصلاوات بين الحين والآخر، والتودد اليهم بقليل من النفاق "الحلال". ويُستحب مصادقة "الصقور" منهم. فهم أصحاب النفوذ القوي في الحزب.
وبقليل من الدهاء والكثير من النميمة والتملق سأحاول اكتساب عطف القائد الروحي للحركة الإسلامية راشد الغنوشي، فرضاؤه عني هو السبيل الأنجع للوصول إلى قلب علي العريض. ولكن هذا لا يكفي. فالنهضة تريد وزيراً قادراً على قصم ظهر المعارضة. حسناً ليس ذلك بالأمر العسير. سأتصل بأصدقائي في أحزاب المعارضة لكي أعرض عليهم بعض المناصب الحكومية والإدارية في الوزارة التي سأتولاها، مقابل اعلان انسلاخهم عن أحزابهم ونشر بيانات تشتمهم. وحتى أنجح في بلوغ غايتي، سألتزم بمحاربة أزلام النظام السابق في العلن، وسأستميلهم في السر. وسأغض النظر عن اختراق أجهزة وزارتِي من طرف أفراد تصل في أمر تعيينهم تعليمات مباشرة من مكتب الشيخ راشد الغنوشي. كما لن أهتم بـ"أفغنة" المجتمع التونسي، أو ضرب مقومات شخصيته التونسية. وسأصرف الاهتمام عن الأموال الضخمة التي تذهب إلى الجمعيات الموالية للحزب الحاكم. وسأتعهد بعدم محاسبة أي مسؤول سبقني على رأس الوزارة حتى لو سقط بين يدي ملف فيه شبهة فساد أو استغلال نفوذ. في مقابل كل هذه الخدمات القذرة، لن أتوان عن الاستفادة من الأشهر المعدودات التي سأقضيها في مكتبي إلى حدود الانتخابات القادمة. فلن أتخلى عن جميع الامتيازات المالية والعينية التي سأحظى بها. ولا يعنيني في ذلك شيء ما تمرّ به البلاد من ضائقة اقتصادية. ولن أتوان، أيضاً، عن الظهور المتواصل في وسائل الإعلام للتأكيد باستمرار، على أن النهضة لا تحكم بمفردها البلاد، ودليلي في ذلك أنا. أنا الوزير غير النهضاوي الذي سأخدم النهضة بأفضل ما يقوم به أبنائها. أنا الذي سأتواطأ معهم في القضاء على تونس الحرية والحداثة. لا يهم كثيراً ذلك الأمر، فبعد شغلي للمنصب الوزاري سأجمع كل ما سأستحوذ عليه من مال في تلك المدة، وسأحمل حقائبي وأرحل فيما بعد إلى دولة أعيش فيها حداثتي التي أؤمن بها.
|
بقلم سفيان الشواربي |