منظومة الضمان الاجتماعي في تونس: واقع صعب مستقبل غير مضمون

في إطار إصلاح منظومة الضمان الاجتماعي الذي يندرج ضمن البرامج ذات الأولوية لتحقيق التوازن المالي لهذه الأنظمة، أعد مركز الدراسات والبحوث الاجتماعية دراسة استشرافية لأنظمة التقاعد جاء فيها بالخصوص أن الإصلاحات المنشودة تتطلب التوصّل إلى تحقيق توافق وطنيّ قوي حول مستقبل قطاع الحماية …



منظومة الضمان الاجتماعي في تونس: واقع صعب مستقبل غير مضمون

 

في إطار إصلاح منظومة الضمان الاجتماعي الذي يندرج ضمن البرامج ذات الأولوية لتحقيق التوازن المالي لهذه الأنظمة، أعد مركز الدراسات والبحوث الاجتماعية  دراسة استشرافية لأنظمة التقاعد جاء فيها بالخصوص أن الإصلاحات المنشودة تتطلب التوصّل إلى تحقيق توافق وطنيّ قوي حول مستقبل قطاع الحماية الاجتماعيّة (الضمان الاجتماعي والمساعدات الاجتماعيّة) والمستويات المنشودة للمنافع المسداة التي يمكن اعتمادها دون أن يترتب عن ذلك انخرام التوازنات المالية للصناديق الاجتماعيّة وديمومتها على المدى المتوسط والطويل.

وتتمثل التحدّيات الماثلة أمام قطاع الحماية الاجتماعيّة بالنسبة للمرحلة الراهنة في توسيع نطاق التغطية الاجتماعيّة لتشمل كل الفئات الفقيرة والهشّة ولاسيّما الفئات الناشطة بالقطاعات غير المهيكلة، وإصلاح أنظمة التقاعد بغية الحفاظ على توازناتها الماليّة وضمان استدامة تمويل كل الأنظمة الاجتماعيّة، وإضفاء النجاعة على المساعدات الاجتماعيّة المباشرة بتحسين دقّة استهداف الفئات الفقيرة وذات الحاجيّات الخصوصيّة.

تقييم الوضعية الحالية لأنظمة التقاعد

بالنسبة إلى الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية بدأت تطرأ عليه بوادر الاختلال بداية من سنة 1993 حيث تم تسجيل عجز مالي إذ كانت النتائج الصافية للصندوق سلبيّة بتسجيل عجز بلغ 119 مليون دينار مع موفى سنة 2011 فقد  ترتّب عن هذا الوضع المالي المتأزم بصورة تراكميّة تآكل تام للإحتياطات الماليّة للصندوق وارتفاع هام في حجم التعهّدات الشهريّة تحت تأثير تعاظم نفقات الجرايات لتبلغ 150 م د مع موفّى سنة 2011 في حين لم تتعدّ 53 م د سنة  2000. وحتّى يتمكّن الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعيّة من الإيفاء بتعهّداته تجاه المتقاعدين، يتم حاليّا الالتجاء إلى تسبقات من الخزينة العامة للدولة وهو ما يمثل في حدّ ذاته مؤشرا على التأزم الشديد لوضعيّة الصندوق الماليّة مما يجعل من التعجيل بإصلاحات من أوكد الأولويّات.

أما بالنسبة إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فإن كل المؤشرات المعتمدة لتحليل التوازنات الماليّة تشير أن الوضعيّة الحاليّة غير قابلة للاستمرار على المدى المتوسّط باعتبار دخول نظام التقاعد بالقطاع الخاص مرحلة العجز الهيكلي بداية من سنة 2002 بتسجيله لنتائج سلبيّة ما فتئت تتفاقم من سنة إلى أخرى حيث استقر العجز في حدود 210 م د سنة 2010 مقابل 8.3 سنة 2000. غير أن وضعيّة الأسس الماليّة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تعتبر –ظرفيا-  أقل حرجا بالمقارنة مع الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعيّة بالنظر إلى الاحتياطي المتاح حاليا.

أسباب عجز أنظمة التقاعد في تونس

سجلت النتائج المالية لأنظمة التقاعد في القطاعين العمومي والخاص تراجعا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة وذلك تحت تأثير جملة من العوامل الهيكلية لعل أهمها التحولات الديمغرافية السريعة التي تشهدها تونس والراجعة بالأساس إلى تحسن مؤمل الحياة عند الولادة وارتفاع نسبة الذين تفوق سنهم 60 سنة من مجموع السكان وهو ما أدّى إلى ارتفاع عدد المنتفعين بجراية، وإلى مدة أطول لصرف الجراية .

كما تزايد عدد المحالين سنويا على التقاعد وخاصة قبل سن الستين حيث بلغت نسبتهم 38,1 % من مجموع الإحالات الجديدة في القطاع العمومي و33,4 %   بالنسبة لنظام الأجراء غير الفلاحيين سنة 2010، كما أن عدد المحالين على التقاعد في القطاع الخاص لأسباب اقتصادية ما انفك يتزايد من سنة إلى أخرى وأصبح يثقل كاهل الصندوق بنفقات إضافية ونقص في موارد المساهمات.

إلى ذلك انخفاض المؤشر الديمغرافي (عدد النشطين لكل منتفع بجراية) من 5,0 سنة 1990 إلى 2,9 سنة 2010 في القطاع العمومي، علاوة على ضعف نسبة التغطية الاجتماعية  ونسب الاستخلاص بالنسبة لأنظمة القطاع الخاص بالإضافة إلى وصول جل الأنظمة إلى مرحلة النضج مما يؤدي إلى حصول المتقاعدين على نسب تعويض  تقارب النسبة القصوى للجراية مع تراجع مردود التوظيفات الماليّة لاحيتاطيات الصناديق الاجتماعيّة على مستوى السوق النقديّة والسوق الرقاعيّة لسندات الدولة مردّه الانخفاض المتواصل لنسبة الفائدة المرجعيّة للسوق النقديّة.

 

توقعات تطور الوضعية المالية لأنظمة التقاعد

تم في إطار استشراف الوضعية المالية لفرع التقاعد في القطاعين العمومي والخاص اعتمد الدراسة، فرضيات تخص المتغيرات الديمغرافية والاقتصادية وكذلك المؤشرات المتعلقة بسير الأنظمة
وينتظر حسب التوقعات الاستشرافية المجراة على أساس الفرضيات المذكورة سابقا أن يرتفع عدد النشيطين بـ 1.7 مرة  ليبلغ  033 126 1 سنة 2050 مقابل 033 670  سنة 2012 بينما سيتضاعف عدد المنتفعين بجراية 3.6 مرات من 114 278 سنة 2012 إلى 001 948 سنة 2050. وعلى هذا الأساس يتوقع أن ينخفض المؤشر الديمغرافي من 2.7 سنة 2012 إلى 1.3 سنة 2050 أي ما يقارب نشيط واحد لكل منتفع بجراية.

كما ينتظر حسب التوقعات الاستشرافية أن يتفاقم عجز فرع التقاعد في القطاع العمومي من 209 م د سنة 2012 إلى 302 27 م د سنة 2050 نتيجة لارتفاع النفقات بعنوان الجرايات بنسق أسرع من ارتفاع الموارد المتأتية من المساهمات.

كما يتوقع أن ترتفع نسبة التوازن السنوية المحققة لمساهمات تغطي المصاريف الفنية أي النفقات بعنوان الجرايات من 24.7 % سنة 2012 إلى 49.4 % سنة 2050 وهي نسب أرفع في كل الحالات من نسبة المساهمات الحالية البالغة 20.7 % .

ويبرز من خلال تحديد نسبة التوازن السنوية حسب نوع الجراية (تقاعد، باقين بعد الوفاة وأيتام) أن النسبة الخاصة بجراية التقاعد لها التأثير الأكبر على النسبة الجملية. أما نسب التوازن حسب الفترات وهي نسب تضمن تحقيق التوازن المالي للنظام على امتداد فترة بـ 5 سنوات أو بـ 10 سنوات أو أكثر إضافة إلى تجميع مبالغ هامة من الاحتياطيات.

فإذا ما أُريد مثلا ضمان التوازن المالي بالنسبة للفترة 2012 – 2051 يتعين تطبيق نسبة مساهمات تقدر بـ 46.1% منذ سنة 2012، هذه النسبة تمكن أيضا من تجميع احتياطيات كافية لتغطية 27 شهرا من النفقات بعنوان الجرايات.

النتائج على مستوى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي

ينتظر حسب التوقعات الاستشرافية المجراة على أساس الفرضيات المذكورة سابقا أن يرتفع عدد النشيطين بـ 2.2 مرة  ليبلغ  094 644 4 نشيطا سنة 2050 مقابل 817 132 2 نشيطا سنة 2012  بينما سيتضاعف عدد المنتفعين بجراية 6.3 مرات من 676 547 سنة 2012 إلى 351 205 3 سنة 2050. وعلى هذا الأساس يتوقع أن يواصل المؤشر الديمغرافي الارتفاع حتى سنة 2014 حيث يبلغ 4.61 مقابل 4.56 سنة 2012، ثم يبدأ مرحلة الانخفاض إلى حدود 1.66 سنة 2050.

وينتظر حسب التوقعات الاستشرافية أن يتفاقم عجز فرع التقاعد بالنسبة للأنظمة التي يديرها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من 413 م د سنة 2011 إلى 800 35 م د سنة 2050 نتيجة لارتفاع النفقات بعنوان الجرايات بنسق أسرع من ارتفاع الموارد.

كما يتوقع أن ترتفع نسبة التوازن السنوية المحققة لمساهمات تغطي المصاريف الفنية أي النفقات بعنوان الجرايات من 13.04 % سنة 2011 إلى 31.66 % سنة 2050 وهي نسب أرفع في كل الحالات من نسبة المساهمات المطبقة حاليا بعنوان فرع التقاعد لكل الأنظمة التي يديرها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

ويبرز من خلال تحديد نسبة التوازن السنوية حسب نوع الجراية (تقاعد، عجز، باقين بعد الوفاة وأيتام) أن النسبة الخاصة بجراية التقاعد لها التأثير الأكبر على النسبة الجملية.

أما نسب التوازن حسب الفترات وهي نسب تضمن تحقيق التوازن المالي للنظام على امتداد فترة بـ 5 سنوات أو بـ 10 سنوات أو أكثر إضافة إلى تجميع مبالغ هامة من الاحتياطيات
فإذا ما أريد مثلا ضمان التوازن المالي بالنسبة للفترة 2011 – 2051 يتعين تطبيق نسبة مساهمات تقدر بـ 30.22% منذ سنة 2012، هذه النسبة تمكن أيضا من تجميع احتياطيات كافية لتغطية 38 شهرا من النفقات بعنوان الجرايات.

نبيل الخماسي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.