فجّر اغتيال محمد البراهمي عضو المجلس الوطني التأسيسي ومؤسس حركة الشعب والمنسق العام للتيار الشعبي يوم عيد الجمهورية 25 جويلية 2013 موجة عارمة من الاحتجاجات والمظاهرات في مختلف أنحاء البلاد رافضة رفضا قطعيا الاغتيال الثاني في ظرف 6 أشهر بعد اغتيال الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد شكري بلعيد أمام عجز الحكومتين المؤقتين الأولى والثانية عن القبض عن مرتكبي الجريمتين بعد كشف اسمهما وكشف انتمائهما إلى أحد التيارات الدينية المتشددة…
هل بدأت آخر أوراق حركة النهضة تسقط وفشل الأحزاب الإسلامية في تونس ؟ |
فجّر اغتيال محمد البراهمي عضو المجلس الوطني التأسيسي ومؤسس حركة الشعب والمنسق العام للتيار الشعبي يوم عيد الجمهورية 25 جويلية 2013 موجة عارمة من الاحتجاجات والمظاهرات في مختلف أنحاء البلاد رافضة رفضا قطعيا الاغتيال الثاني في ظرف 6 أشهر بعد اغتيال الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد شكري بلعيد أمام عجز الحكومتين المؤقتين الأولى والثانية عن القبض عن مرتكبي الجريمتين بعد كشف اسمهما وكشف انتمائهما إلى أحد التيارات الدينية المتشددة. ودخلت تونس بعد حادثة اغتيال البراهمي منعرجا خطيرا على جميع الأصعدة خاصة منها السياسية إذ طالبت جل أحزاب المعارضة والقوى الديمقراطية والمجتمع المدني على وجوب حل الحكومة والمجلس الوطني التأسيسي في ظل إعلان أكثر من 45 نائبا بالمجلس انسحابهم في خطوة لشل عمل المجلس والضغط باتجاه حلّه. وأجمعت كل العائلات السياسية المعارضة لحكم الترويكا والعديد من المنظمات والجمعيات على غرار الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وعمادة المحامين على ضرورة حل حكومة علي العريض وإنهاء مهام لمجلس التأسيسي وانعكست هذه المطالبة على الشارع التونسي في العديد من أنحاء البلاد فقد نزل المواطنون إلى الشوارع للمطالبة برحيل الحكومة وحل المجلس التأسيسي.
وخلال الحركات الاحتجاجية والمظاهرات وجه شق كبير من الشعب التونسي وأغلب الأحزاب المعارضة أصابع الاتهام إلى حركة النهضة المتسببة من وجهة نظرهم في الوضع المتأزم الذي وصلت إليه البلاد، معتبرين أن مشروع الإسلام السياسي وحركة الإخوان فشل في تونس بعد الثورة وأن حركة النهضة ليست قادرة على إدارة البلاد وإنجاح مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد.
ومثّلت عملية اغتيال محمد البراهمي النقطة التي أفاضت الكأس ضد حركة النهضة فمن خلال هتافات المحتجين برحيل حركة النهضة وتحاليل ممثلي بعض الأحزاب في المنابر الإعلامية حول أداء الترويكا الحاكمة ومن وراءها النهضة، يتبيّن أن الحركة بدأت تفقد الشيء الكثير وأنه تأكد أنها عزلت نفسها سياسيا ولم تعد قادرة على التجميع وأنها بدأت تتهاوى وتخسر الكثير من شعبيتها في البلاد التي حازت على ثقة الشعب لعد لثورة وتُرجمت في نتائج انتخابات 23 أكتوبر 2011. واتضحت هذه المسألة من خلال تصريحات بعض قيادات الحركة بالدعوة إلى التهدئة وعدم الانسياق إلى حل الحكومة والتأسيسي بتعلة أن هذه العملية ستؤدي إلى نتائج سلبية على مسار الانتقال الديمقراطي الذي أوشك بحسب اعتقادهم على الانتهاء. … "خبز وماء والنهضة لا" و " يا غنوشي يا سفّاح يا قتّال أرواح" و " أوفياء لدماء الشهداء" هي بعض من الشعارات والهتافات التي يكررها المحتجون منذ يوم 25 جويلية تعبيرا منهم على أن حركة النهضة أصبحت تمثل خطرا على البلاد وليست مصدرا للأمن والثقة على حد تعبيرهم وانه حان الوقت للتغيير وطي صفحة تجربة لأحزاب الإسلامية والالتفات إلى مصلحة البلاد بعيدا عن حكم الإخوان.
وفي كل الحركات الاحتجاجية تتعالى أصوات المتظاهرين لتوجه أصابع الاتهام والانتقاد إلى الحكومة ومن وراءها حركة النهضة الحزب الأول في البلاد والمُكوّن الرئيسي للحكومة المؤقتة والحائز على الأغلبية في المجلس الوطني التأسيسي، إلى جانب تكرر التهجم على المكاتب المحلية والجهوية للنهضة في العديد من المنسبات والتظاهرات.
والمتابع للشأن العام في البلاد وبالخصوص الشأن الحزبي والسياسي يلمس تراجع شعبية حركة النهضة في جميع الأوساط وبداية تشكّل حالة من الرفض للحركة لا سيما من بعض الأوساط النخبوية( مفكرون، أدباء، فنانون، مبدعون…) وأن هذا الرفض بدأ يمر إلى العديد من الأوساط والفئات الاجتماعية الأخرى التي سئمت التصرف الذي تأتيه الحركة والحكومة في تعاطيها مع الملفات الحارقة وفي مقدمتها الملف الأمني.
إلى ذلك عدم إقلاع الاقتصاد الوطني بدليل بلوغ العجز التجاري مستويات قياسية وتواضع قيمة العملة التونسية وتواصل ارتفاع مستوى البطالة والتذبذب في الإعلان عن الشروع في القيام بالمناظرات الوطنية في الوظيفة العمومية من دون التغافل عن مسألة تعويض المساجين السياسيين من أموال الشعب وما خلفته من رفض شبه جماعي من كل الأوساط.
هذا من دون أن ننسى الحرب الخفية والصراعات غير المُعلنة بين حكومة النهضة والاتحاد العام التونسي للشغل والتي ظهرت في تصريحات بعض أعضاء الحكومة والاتحاد بخصوص العديد من الملفات والمواضيع ولعل آخرها أزمة مستشفى الهادي شاكر بصفاقس والمدّ والجزر حول صرف المنحة الخصوصية لأعوان الوظيفة العمومية.
كل هذه الوقائع والحيثيات تُحيلنا إلى حقيقة ثابتة هي أن حركة النهضة ومن خلال تعاطيها غير الواضح والمفهوم مع أُمّهات القضايا الوطنية، تكون قد عزلت نفسها سياسيا وأخذت مسافة كبيرة مع بقية النسيج السياسي غذّته الفشل الذريع في التواصل مع المعارضة وتباين المواقف والآراء بشأن الحوار الوطني وتمسكها بعدم الإقدام على حل روابط حماية الثورة.
هذه العزلة السياسية التي وضعت النهضة نفسها فيها لا ندري إن كانت إرادية أو فرضها واقع البلاد، ستؤسس لواقع سياسي قديم جديد للبلاد: الحزب الكلياني والمسيطر والمهيمن حتى بالقوّة بما يُذكر بالعهد السابق وما أتاه من ممارسات لم تُعمّر طويلا فهل ستصمد الحركة أم أن آخر أوراها سوف تسقط باغتيال البراهمي.
|
رياض بودربالة
|