هناك الآن جدل عقيم يدور حول تاريخين فاصلين في المشهد السياسي الراهن وهما 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013، وهل هما ثورتان منفصلتان أم هما ثورة واحدة متعددة الموجات؟…
ثورة ديمقراطية واحدة |
هناك الآن جدل عقيم يدور حول تاريخين فاصلين في المشهد السياسي الراهن وهما 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013، وهل هما ثورتان منفصلتان أم هما ثورة واحدة متعددة الموجات؟ ووصلت الحماقة ببعض أصحاب المصالح الضيقة من الناشطين السياسيين إلى حد الهجوم العلني على ثورة 25 يناير، والادعاء الكاذب بأنها تمت نتيجة تآمر دولي شارك فيه بعض النشطاء المصريين! وهؤلاء سعوا من وراء هذا الهجوم المريب إلى إعلاء ما أطلقوا عليه ثورة 30 يونيو التي قادتها حملة «تمرد» على حساب ثورة 25 يناير! يحدث الجدل في زمن تاريخي حاسم سيحدد مصير المجتمع المصري لأجيال قادمة، ووفقاً للتقدم الإيجابي في تنفيذ خريطة الطريق التي أعلنتها القوات المسلحة على لسان الفريق أول عبد الفتاح السيسي بعد عزل مرسي. وهذا التقدم المرجو لن يتم إلا إذا تمت المواجهة الفعالة للمشكلات السياسية البالغة التعقيد التي تحدث على أرض الواقع الآن، والتي تتميز بالرفض القاطع لجماعة «الإخوان المسلمين» للانتفاضة الشعبية التي حدثت في 30 يونيو والتي كان هدفها المعلن إسقاط الحكم الاستبدادي للحكم «الإخواني»، والإصرار العنيد للقوى الثورية على تنفيذ خريطة الطريق بخطواتها المعلنة من وضع دستور توافقي، وتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية . ولم يقتصر موقف جماعة «الإخوان» على الرفض السياسي لما حدث، وهذا رد فعل طبيعي نظراً للصدمة التي أصابت قادتها من انهيار المشروع التاريخي للجماعة الذي حلمت بتحقيقه أكثر من ثمانين عاماً، وهو إعادة إحياء الخلافة الإسلامية، بالإضافة إلى الفشل السياسي الذريع في إدارة شؤون الدولة . لقد تجاوز السلوك «الإخواني» الرفض السياسي لأحداث 30 يونيو وما تلاها من دعم القوات المسلحة للإرادة الشعبية إلى التخريب المتعمد، عن طريق إقامة «مستوطنات» اعتصامية في كل من «رابعة العدوية» وميدان «النهضة»، تم فيها ترويع المواطنين من السكان وممارسة العنف . ورفضت الجماعة الفض السلمي للاعتصامات، بل إنها مارست التحريض العلني على لسان قادتها ضد القوات المسلحة والشرطة، بل ضد جماهير الشعب التي التفت وراء قيادات 30 يونيو، لأنها زعمت أن ما حدث كان انقلاباً على الشرعية ! ولوضع حل للجدل السياسي العقيم حول 25 يناير و 30 يونيو. نؤكد أن الثورة التى بدأت في 25 يناير كانت ثورة ديموقراطية أصيلة، تسعى لتحقيق شعاراتها الأثيرة «عيش، حرية، كرامة إنسانية ». وهذه الثورة شاركت فيها بالإضافة إلى القيادات الثورية الشابة كل الأطياف السياسية بما فيها جماعة «الإخوان»، وإن كانت التحقت بميدان التحرير متأخرة لأن أعضاءها لم ينزلوا الميدان بعد تردد إلا يوم 28 يناير . وبدأت المرحلة الانتقالية بكل مشكلاتها وبكل أخطائها بل وخطاياها، وخصوصاً من تقديم تنظيم الانتخابات النيابية على وضع الدستور أولاً. وقد تم ذلك نتيجة التواطؤ الواضح الذي قامت به جماعة «الإخوان» التي كانت تلهث لعقد الانتخابات، قبل أن تنظم الأحزاب السياسية القديمة والائتلافات الثورية نفسها . ونجحت خطة «الإخوان»، بعد أن انضمت مجموعة من النشطاء السياسيين الليبراليين إلى صف الجماعة، وذلك بغباء سياسي نادر على أساس موقفهم المعادي لمنافس مرسي وهو أحمد شفيق . وهكذا لم ينجح مرسي بأصوات جماعته فقط، ولكن بأصوات هؤلاء من خصوم «الإخوان» التقليديين. ومع كل هذه الصفقات السياسية المريبة لم ينجح مرسي إلا بفارق ضئيل للغاية من الأصوات، مما يدل على أنه لم يحقق رضاء شعبياً كاملاً عنه . وتوقع حلفاء «الإخوان» أن يتم تنفيذ اتفاق «فيرمونت» الشهير والذي ينص على التوافق السياسي ومشاركة الأحزاب السياسية المتعددة في اتخاذ القرار، إلا أن جماعة «الإخوان» سرعان ما كشفت النقاب عن وجهها الحقيقي، وقامت بالاستئثار المطلق بالسلطة، وإقصاء كافة القوى السياسية عن عملية صنع القرار . وأخطر من ذلك أن رئيس الجمهورية المنتخب سرعان ما مارس الحكم بطريقة ديكتاتورية، وتعددت قراراته الجمهورية المضادة للقانون والدستور، حتى تحول الحكم الديموقراطي الذي تحقق نتيجة لنتائج الصندوق إلى حكم ديكتاتوري خالص، أصبح يهدد بتفكيك الدولة وهدم المجتمع، تنفيذاً لمشروع الخلافة الإسلامية، والذي لا يؤمن بقدسية حدود البلاد ولا الاستقلال الوطني . وحتى نحسم الخلاف بين الغالبية التي تعتبر 30 يونيو ثورة أو موجة ثانية من موجات ثورة 25 يناير، نريد أن نطرح على أعضاء جماعة «الإخوان» ومن يناصرونها عدة أسئلة جوهرية وخصوصاً على من يدعون معرفتهم بقواعد القانون الدستوري لكي يجيبوا عليها . هل كان من حق مرسي إصدار قرار جمهوري بعودة مجلس الشعب الذي أبطله القضاء، أم أن ذلك يعد عدواناً على السلطة القضائية التي أجبرته على سحب قراره الباطل؟ وهل كان من حق رئيس الجمهورية المعزول إصدار قرارات بالعفو الرئاسي عن 450 محكوماً عليهم بعقوبات مختلفة من الإرهابيين وتجار المخدرات والسلاح، وعلى أي أساس تم هذا العفو، الذي لا مثيل له في التاريخ الرئاسي المصري؟ وهل كان من حق الرئيس المعزول إصدار «الإعلان الدستوري» الذي اعتدى فيه اعتداء مباشراً على السلطة القضائية بأن حصن قراراته من الإلغاء، وحصن اللجنة التأسيسية، وكذلك مجلس الشورى الباطل من الإلغاء؟ وهل كان من حقه إقالة النائب العام وتعيين نائب عام جديد بالمخالفة لقانون السلطة القضائية؟ لو كنا منصفين لقلنا إن الرئيس المعزول أسقط شرعيته بنفسه، حين أصدر الإعلان الدستوري، وأصبح من حق الشعب أن يخرج لعزله . أما الادعاء بأنه رئيس منتخب ديموقراطياً ولا يجوز عزله فتكذبه السوابق التاريخية العالمية، لأن «هتلر» نجح في انتخابات ديموقراطية وسرعان ما حولها إلى ديكتاتورية تهدد العالم، ومن هنا اجتمعت لإسقاطه القوى الدولية . إن تأمل المظاهرات التخريبية التي يقوم بها كل يوم أعضاء جماعة «الإخوان» بتحريض صريح من قادتها ومن قوى إقليمية مشبوهة، تؤكد أن الجماعة توجه عدوانها فقط ليس ضد القوات المسلحة، ولكن ضد الشعب المصري نفسه! وتعجب من جماعة سياسية تريد أن تحكم الشعب بالقوة، وباستخدام الترويع الواضح والإرهاب الصريح ! ثورة 25 يناير وموجتها الثانية 30 يونيو ثورة ديموقراطية أصيلة، غايتها الأسمى تحقيق الحرية للشعب في سياق ديموقراطي صحيح، لا يقوم على أساس معايير شكلية كاذبة، ولا يتمسك بنتائج صناديق الانتخابات التي أحاطت بها شبهات لا حدود لها. أما الإدعاء بأن جماعة «الإخوان» هي وحدها التي تعبر عن الإسلام، فهو زعم باطل وتدليس صريح. لن ترجع عقارب الساعة إلى الوراء، وستنتصر إرادة الشعب المصري . عن موقع الأوان
|
بقلم : السيد ياسين (كاتب مصري ) |