تواجه تونس في هذه المرحلة الدقيقة في مختلف مساراتها جملة من الرهانات السياسية وبخاصة اقتصادية وبدرجة أكثر دقة تعرف البلاد تحديات جسيمة في مجال الطاقة عبر “انتفاخ” فاتورة دعم الدولة للطاقة والمحروقات التي أصبحت بشهادة كل الخبراء والمحللين العارفين بخفايا الأمور عبئا كبيرا بل حملا من الصعب أن تتحمله الدولة بمفردها…
تواجه تونس في هذه المرحلة الدقيقة في مختلف مساراتها جملة من الرهانات السياسية
وبخاصة اقتصادية وبدرجة أكثر دقة تعرف البلاد تحديات جسيمة في مجال الطاقة عبر "انتفاخ"
فاتورة دعم الدولة للطاقة والمحروقات التي أصبحت بشهادة كل الخبراء والمحللين
العارفين بخفايا الأمور عبئا كبيرا بل حملا من الصعب أن تتحمله الدولة بمفردها.
وتبرز المعطيات والبيانات الإحصائية الارتفاع الصاروخي الذي شهده الدعم في
تونس خلال السنوات الثلاث الأخيرة بشكل مخيف ومفزع نبَه إليه الخبراء وأعضاء
الحكومة بالمقارنة مع ما كان عليه قبل الثورة إلى درجة أن حجم الدعم في هذه
السنة شارف على أن يتجاوز حجم نفقات التنمية (في حدود 5 ألاف مليون دينار)
بمعنى أن الموارد المالية المخصصة لإنجاز مشاريع التنمية في تونس والتي تعد من
أبرز استحقاقات الثورة( التنمية الجهوية والتقليص من التفاوت بين الجهات، سيكون
أقل من حجم الدعم.
وأمام هذه الوضعية المحرجة والمحيرة كان لزاما وضع حد لنزيف الدعم وبالتحديد
دعم الطاقة والمحروقات ووضع علامة "قف" أمام تواصل الدعم غير المدروس والذي كان
جانبا كبيرا منه استجابة لمتطلبات الفترة التي تلت الثورة.
ارتفاع فاتورة دعم المحروقات
تبرز الأرقام والمؤشرات الواردة بمشروعي ميزانية الدولة وقانون المالية
للعام القادم أن منظومة دعم الطاقة الواردة أنه سيتم رصد 3734 مليون دينار لدعم
الطاقة مقابل 2520 م د مقدرة بقانون المالية الأصلي من جملة 5514 م د كإجمالي
نفقات الدعم.
ويؤكد وزير الصناعة مهدي جمعة في هذا الشأن انه بالنسبة إلى السنة القادمة سيتم
تخصيص مبلغ 2500 م د لدعم الطاقة ضمن مشروع قانون المالية الجديد بنقص بنسبة 33
بالمائة مقارنة بسنة 2013 للحد من تواصل نزيف الدعم الذي بلغ مستويات قياسية
وفق ما تؤكد عليه الحكومة.
وأشار إلى انه من الصعب مواصلة العمل بنفس نسق مستوى دعم الطاقة الذي تطور من
550 م د سنة 2010 إلى 3734 م د سنة 2013 وهو ما دفع الحكومة إلى اتخاذ جملة من
الإصلاحات للمنظومة سواء على المدى القصير والمتوسط.
وضع طاقي متأزم
كشفت أحدث المعطيات والمؤشرات الإحصائية بشان الميزان الطاقي في تونس أنه من
المنتظر أن يبلغ العجز الطاقي العام المقبل 3 ملايين طن مكافئ نفط مقابل عجز
منتظر مع موفى العام الجاري في حدود 2.4 مليون طن مكافئ نفط علما وان العجز
الطاقي في تونس كان في سنة 2011 حوالي 1536 مليون طن مكافئ نفط.
وأمام هذا العجز في ظل تواضع الموارد الوطنية وتقلص الإتاوة من الغاز الجزائري
العابر للبلاد التونسية بأكثر من 40 بالمائة وارتفاع الاستهلاك الوطني سيبلغ
مستوى دعم قطاع المحروقات مع موفى السنة الجارية 3978 مليون دينار على أن يتم
النزول به السنة القادمة إلى مستوى 3350 م د بفعل الترفيع في الأسعار وامتصاص
دعم مصانع الاسمنت.
تشخيص الوضع واتخاذ الإجراءات الضرورية
أورد وزير الصناعة في العديد من التظاهرات والتصريحات الإعلامية ان الوزارة
قامت بدراسة معمقة لتشخيص الوضع الطاقي وضبط حجم الدعم الذي تستهلكه المؤسسات
علاوة على تحديد التوجهات القادمة، وأظهرت المؤشرات المتوفرة أن قطاع مواد
البناء والخزف والبلور يستأثر لوحده بنسبة 39 بالمائة من دعم الكهرباء والغاز
منها 17 بالمائة لمصانع الاسمنت الثمانية يليه قطاع الفلاحة بنسبة 7 بالمائة
فقطاع السياحة بنسبة 5 فاصل7 بالمائة.
وتؤكد الوزارة على أن كل عملية رفع دعم عن قطاع من القطاعات "الملتهمة"
للطاقة تتم بطريقة تشاركية مع الأطراف الاجتماعية والمهنة واعتماد تمشي منهجي
وتدريجي في إلغاء الدعم على المؤسسات المستهلكة للطاقة.
ووصف نضال الورفلي كاتب الدولة المكلف بالطاقة والمناجم في الحكومة
المستقيلة من جانبه الوضع الطاقي بالبلاد في هذا الظرف بالصعب والحرج وأنه قريب
من الكارثي وفق رأيه من خلال تراجع الموارد الطاقية في تونس خلال الأشهر العشرة
الأولى من العام الحالي بنسبة 7 بالمائة.
ويعزى ذلك إلى تقلص إنتاج النفط الخام لنسبة 8 بالمائة وتراجع إنتاج الغاز
الطبيعي بنسبة 9 بالمائة فضلا عن انخفاض كميات الغاز من الإتاوة الجزائرية ب 42
بالمائة، مقابل تطور في الاستهلاك الوطني من المواد الطاقية وزيادة في الطلب
على الطاقة الأولية بنسبة 1 فاصل5 بالمائة و ارتفاع في استهلاك الكهرباء بنسبة
0 فاصل 7 بالمائة.
ويشدد كاتب الدولة في تصريحاته الإعلامية على أن هذه الوضعية أفضت إلى تفاقم
العجز في ميزان الطاقة ليبلغ 2 مليون طن مكافئ نفط مع موفى شهر أكتوبر الماضي
وهو ما يفوق العجز الذي تم تسجيله خلال كامل سنة 2013 والمقدر ب 1 فاصل 7 مليون
طن مكافئ نفط مرجحا أن يرتفع العجز في سنة 2014
مقاربة جديدة
ووفق المعطيات التي أوردتها وزارة الصناعة في خصوص ومقاربتها المعتمدة في
معالجة دعم المحروقات للقطاعات الملتهمة للكهرباء والغاز والفيول سيتم التعويل
على ما أفرزته الإستراتيجية الوطنية للتحكم في الطاقة المرتكزة على 6 محاور
أساسية من أبرزها إرساء إصلاحات مؤسساتية في قطاع الطاقة وإعادة تنظيمه وهيكلته.
ومن أهم التوجهات المقترحة لإلغاء الدعم على القطاع الصناعي بصفة تدريجية
ومرحلية امتصاص الدعم حسب مستوى الاستهلاك مع ضرورة حماية الشرائح والفئات
الاجتماعية الهشة والضعيفة علاوة على تصنيف مستهلكي الطاقة على أربع مستويات
يتمثل الأول في القطاع غير المنتج(الإدارة) والقطاعات الملتهمة للطاقة وقطاع
الخدمات والقطاع الصناعي.
وشخَصت وزارة الصناعة القطاعات الملتهمة للطاقة بقطاعات مواد البناء (الاسمنت،
صناعة الآجر، الخزف…)والصناعات الغذائية(مركزيات الحليب وصناعة المصبرات
والمداجن…) والملابس والأحذية وصناعة الورق وهي من القطاعات الاولى التي
ستنطبق عليها مقاربة الرفع التدريجي للدعم.
وتُبيَن المعطيات الإحصائية أن 80 بالمائة من استهلاك المنتوجات البترولية في
تونس تهم ثلاثة أنواع وهي الغازوال (50 بالمائة) والبنزين (17 بالمائة ) والغاز
النفط المسال غاز القوارير (14 بالمائة).
كما ان قطاع مواد البناء والخزف والبلور يستحوذ لوحده على 22 بالمائة من حجم
الدعم الكهرباء والغاز سنويا يليه قطاع الاسمنت بنسبة 17 بالمائة أي ما يعادل
280 مليون دينار من الدعم سنويا من الكهرباء والغاز.
ويأتي قطاع الصناعات المختلفة في المركز الثالث بنسبة 9.4 بالمائة ثم قطاع
الصناعات الغذائية ب 8.1 بالمائة فقطاع الصناعات الكيميائية ب 7.9 بالمائة و
النسيج والملابس ب 5.9 بالمائة.
وتؤكد الوزارة بحسب الدراسة التي التشخيص الذي أنجزته انه من الضروري تعويض
الفئات الضعيفة والهشة بتحويلات مالية شهرية في صورة اتخاذ قرار نهائي بإلغاء
الدعم عن المحروقات، سيما وأن السعر الحقيق لقارورة الغاز المعدم يبلغ 20
دينارا.
وبشأن تعديل أسعار الكهرباء والغاز تظهر المعطيات المتوفرة أن معدل التعديل
تراوح بين 6 و 8.3 بالمائة منذ سنة 2006 إلى مارس 2013 للكهرباء وبين 6 و 13
بالمائة للغاز.
حماية القدرة الشرائية للفئات المحدودة الدخل
أعلنت وزارة الصناعة مؤخرا أن تعديل أسعار المحروقات والكهرباء والغاز المبرمج
للسنة القادمة لن يشمل الطبقات الفقيرة والفئات الاجتماعية محدودة الدخل.
وأكدت لن يقع تعديل في أسعار قوارير الغاز المعدة للاستهلاك المنزلي وبترول
الإنارة إلى جانب أن الفئات والطبقات الاجتماعية التي تستهلك أقل من 200 كلواط/ساعة(الجهد
الضعيف المخصص للحرفاء المنزليين) في الشهر لن يشملها تعديل أسعار الكهرباء
والغاز ملاحظا أن التعديل سيتم بداية من اعتماد استهلاك 300 كلواط/ساعة في
الشهر.
وبينت ايضا أن قرار رفع الدعم (الكهرباء والغاز) عن كبار المستهلكين للطاقة
بداية من غرة نوفمبر الجاري على أن يتواصل السنة المقبلة تم في إطار ترشيد
الدعم الذي بلغ مستويات قياسية بعد الثورة اثر سلبا على التوازنات المالية
للدولة.