بكل مرارة يتحسر الانسان ويشعر بدوار عنيف يكاد يقتلع القلب حينما تسوء الامور وتبلغ حدا لا يطاق , وخاصة عندما يكون المستهدف او الضحية وطنا بأكمله !! ليبيا اليوم وهي تتقاذفها امواج عاتية تبدو كمركب تائه في بحر لجي لا قرار له! ليبيا التي هي الضحية والجناة كثر! بما فيهم من ارضعتهم حليبا صافيا دافئا من …
بكل مرارة يتحسر الانسان ويشعر بدوار عنيف يكاد يقتلع القلب حينما تسوء الامور وتبلغ حدا لا يطاق , وخاصة عندما يكون المستهدف او الضحية وطنا بأكمله !! ليبيا اليوم وهي تتقاذفها امواج عاتية تبدو كمركب تائه في بحر لجي لا قرار له! ليبيا التي هي الضحية والجناة كثر! بما فيهم من ارضعتهم حليبا صافيا دافئا من صدرها الحنون لكنهم بالعقوق كافئوها !! لقد كنا نريدها ثورة لتغيير ثقافة بالية تشد الى الوراء وتكرس مفاهيم الاتكالية والتكاسل والاستهلاك الى ثقافة متجددة مبدعة تجسد مفاهيم المثابرة والمبادرة والإبداع والإنتاج! كنا نتوق الى التغيير الايجابي في كل مناحي حياتنا وان نتخذ من المبادئ الاسلامية السمحاء طريقا وسبيلا نسلكه لبلوغ غاياتنا النبيلة, ماذا عسانا القول حين نجد انفسنا مكبلين بسلاسل التغيير السلبي مجبرين على المسير القهقرى الى الخلف بدون ارادة وبدون تعقل!!؟.
لقد صرنا نعيش وضعا مخالفا لما تعودناه, حين تتجسد امام ناظرينا مشاهد مؤلمة للظلم والقهر تمارس جهارا نهارا في حق الكثير من الابرياء بحجج واهية ومبررات لا مكانة لها في حيز الاعراف والأخلاق! لقد اضحت مظاهر الرعب والإرهاب وجبة يومية من وجبات مطعمنا الامني والسياسي في ليبيا! فلا يكاد يمر يوم بدون حصول جريمة هنا او هناك, هذا الرعب والإرهاب الذي صار يخيَم على سمائنا ويعكر صفوَها من خلال مظاهر القتل والخطف والاعتقال والتعذيب والحرابة على الطرق بسبب او بدونه هل يمكن تجاهله؟! اليس حريَا بنا اليوم البحث عن الية يمكن بها مواجهة انفسنا وواقعنا البائس في ظل هذه الافعال الإجرامية!
قد تحدث مثل هذه المظاهر الارهابية استثنائيا نتيجة ظروف محددة وفي فترات محددة, لكن ليس ممكنا قبول ذلك او التعايش معها بصورة دائمة ومتكررة كالذي يحدث لدينا في ليبيا اليوم..اننا نستغرب وبشدة قبول البعض لمثل هذه المظاهر الارهابية وخاصة الاختطاف والحرابة واتخاذهما وسيلة ضغط وابتزاز لتحقيق غايات وأهداف معينة.. المشكلة الحقيقية تتعلق بالجانب القيمي والأخلاقي حين نجد الذين يريدون الاقتصاص يتعاملون بمبدأ رد الثأر – المرفوض شرعا – والأسوأ انهم لا يكلفون انفسهم مشقة البحث عن الجناة المرتكبون للفعل فيركنون الى الاسهل والأقرب وهو فعل الجبناء الذين لا حياء لهم حين يقررون في غفلة من الضمير ومجافاة للحق رد الفعل في اخرين مسالمين ابرياء لا علاقة لهم بالجرم لا من قريب ولا من بعيد فقط كونهم من قبيلة او مدينة ينتمي لها الجناة! لتتجسد بذلك احط وأخس صفات العنصرية والهمجية والظلم الصارخ !! فأين نحن من ذلك؟!
الاغرب ايضا ان تصبح مثل هذه الافعال المنكرة ثقافة تعامل وأسلوب حياة بين القبائل والمناطق الليبية والشواهد على ذلك كثيرة ومتعددة وهو ما يعطي مؤشرات خطيرة جدا على مدى انهيار القيم والواعز الاخلاقي والديني لدى المجتمع حين يصبح مستساغا رد الفعل في الابرياء وبدون اي ذنب ارتكبوه ولقد سجلت الكثير من جرائم القتل والخطف والاعتقال في حق اناس ابرياء كنتيجة لهذه الثقافة الاجرامية التي صارت واقعا مفروضا على الساحة الليبية. ولان التعاطي معها صار شيئا مألوفا لم نجد من يحارب هذه الظواهر المخزية بل يتعاظم يوما بعد يوم مؤيدوها ومرتكبوها لتصبح ثقافة وسلوك يومي قد لا نستطيع الفكاك منه بالسهولة المتوقعة.
المنطق والعقل يلزمنا نحن الليبيون للتوقف لحظات نراجع فيها انفسنا حيال مثل هذه الافعال المنكرة والسلوك المشين الخارج عن الدين والأخلاق والقيم ولنتخذ من ثم الاجراء المناسب بمحاربة تلك الظواهر والوقوف بحزم لنصرة الحق وردع الظالمين ومنع الاذى عن الابرياء تحقيقا لشرع الله واسترجاعا لشيء من عرفنا الحديث القديم! ان لم نقف جميعا وبقوة امام هذا التيار الظالم سيكون الجميع عرضة للإرهاب والرعب وسنكون جميعا مسائلين امام الله والوطن فيما فرَطنا فيه من حقوق وواجبات في حق وطننا وأنفسنا يقتضيها الدين والعرف ونكون جميعا مشاركين في تخريب قيمنا ومبادئنا وبالتالي مشجعين على تمادي الباطل واستفحال ثقافة الظلم والرعب ونكون بذلك قد هدمنا بيتنا بأيدينا وسنندم حينئذ حيث لا ينفع الندم.
ان لم نبادر جميعا بالوقوف ضد هذه الظواهر الاجرامية سيتمادى المجرمون وسينتشر فعلهم المشين ليصل الى ما هو ابعد من ذلك وينقلون اجرامهم في الاختطاف الى ضيوف ليبيا وهو ما بدأ فعلا من خلال عمليات اختطاف الاجانب في ليبيا واستعمالهم كورقات ابتزاز لتحقيق اهداف محددة لمجموعات مؤدلجة او غير مؤدلجة كأن يختطف سفير او دبلوماسي اجنبي مقابل ان يتم الافراج على محكومين بجرائم في بلدان خارجية وهو وان اعتبره البعض من العابثين مقبولا!! فان الاخرين لن يرضوا بمساومات تمس جوهر القانون والحقوق الانسانية وتصل حد المساس بثوابت وأركان السيادة لتلك الدول. ان ذلك لمن لا يفقهون في السياسة قد يوصل الى عواقب وخيمة يترتب عليها اعلان الحرب على ليبيا واقلها حرب المقاطعة السياسية والاقتصادية وما يترتب عنها من اخطار قد تصل حد الحرب العسكرية!
ما احوجنا اليوم الى وقفة وطنية من اجل ليبيا, تتظافر فيها جهود الليبيين جميعا لنعيد الى بلدنا مكانته ووضعه الطبيعي على خارطة العالم. ما احوجنا الى جهد وطني مخلص يبعد عنا مظاهر ثقافة الخطف والإرهاب والرعب ويعيد الينا ثقافة المحبة والتعاون ومناصرة المظلوم.. ما احوجنا الى جهد وطني مخلص يقطع الطريق على كل المحاولات التي تسعى لجرنا الى مستنقع العنف والإرهاب والدولة الفاشلة!!..ما احوجنا الى السعي الجاد والفوري دون تراخي لمحاربة كل مظاهر الارهاب والعنف ومنها عمليات الخطف والحرابة وغيرها, ما احوجنا الى جهد وطني مخلص يخلَص مجتمعنا من ادران الماضي والحاضر المعيبة ويعيد تشكيل ثقافتنا وهويتنا بما يتوافق مع قيم الاسلام والأخلاق النبيلة ويبعد عنا شبح ثقافة اجدها تتشكل فينا مطلع كل يوم جديد..ثقافة تجعل من جريمة الاختطاف فعلا مستساغا وأسلوب تعامل ترد به المظالم !! فهل من يسمع وهل من يحس ويعي !؟
الوطن الليبية